جامع عقبة بن نافع بالقيروان: تحفة معمارية ومعلم تاريخي وسياحي بارز

جامع عقبة بن نافع هو أول وأقدم جامع في تونس وشمال إفريقيا، ويعتبر من أهم المعالم الإسلامية في العالم. يقع في مدينة القيروان، التي تأسست في عام 50 هـ / 670 م على يد الصحابي عقبة بن نافع، قائد الجيش الإسلامي الذي فتح إفريقية.

يحتوي الجامع على عدة عناصر معمارية وفنية وتاريخية تمثل مختلف الحقب والحضارات التي مرت بها القيروان. في هذا المقال، سنتعرف على تاريخ بناء الجامع وزخارفه الرائعة ووصفه من الداخل، وسنقيم أهميته وجماله وروعته كمعلم إسلامي فريد.

تاريخ بناء جامع عقبة بن نافع

الجامع يعود تاريخ بنائه إلى عهد الصحابي عقبة بن نافع، الذي بناه في عام 50 هـ / 670 م كمسجد للصلاة ومركز للدعوة والتعليم. كان الجامع بسيطا ومتواضعا في بدايته، وكان يتألف من صحن مفتوح وبيت صلاة مغطى بالقش والخشب. في عهد الخلافة الأموية، تم توسيع الجامع وإضافة المئذنة، والقباب، والأسوار، والأبواب.

entry-icon
entry-icon
entry-icon
entry-icon

في عهد الخلافة العباسية، تم تجديد الجامع وتزيينه بالأعمدة والمقرنصات والنقوش والزخارف. في عهد الدولة الأغلبية، تم تعزيز الجامع وتحصينه بالأبراج والمدافع. في عهد الدولة الفاطمية، تم تغيير المحراب والمنبر وإضافة المقصورة المعزية والصومعة.

في عهد الدولة الصنهاجية، تم ترميم الجامع وتحسينه بالسقوف الخشبية، والمظلات، والثريات، والمصابيح. في عهد الدولة الحفصية، تم تزويد الجامع بالخزانات والمياه والمكتبة، والمدرسة، والمقابر، والمزارات. وبهذه الطريقة، شهد الجامع عدة تغييرات وتطورات على مدى القرون، وأصبح شاهدا على تاريخ وحضارة الإسلام في شمال إفريقيا.

زخارف جامع عقبة بن نافع

الصورة عبر wikimedia

الجامع يتميز بزخارفه الرائعة والمتنوعة، التي تعكس الفن والجمال والإبداع الإسلامي. من الخارج، يبدو الجامع حصينا ومنيعا، ويشبه القلعة أو الحصن. يحيط به أسوار عالية ومتينة، ويزينه أبراج وقباب وأبواب ونوافذ متناسقة.

من بين أروع زخارف الجامع تتمثل في زخارف المحراب والقبة. يتميز المحراب بزخارف منقوشة بشكل رائع على الرخام، حيث تُضفي هذه الزخارف لمسة فنية فريدة. تم تصميم هذه الزخارف بعناية فائقة، حيث تشكل لوحات فنية تحمل تفاصيل دقيقة.

تغطي القبة زخارف نباتية تتخذ شكل ساق متوسطة أو فروع متموجة، تتدلى منها عناقيد من العنب، مما يضيف للقبة جاذبية خاصة وجمالاً فنياً يميزها عن غيرها. وفيما يخص المنبر، يظهر بمهارة فنية استثنائية، حيث يكون محفورًا على الخشب، ويزخر بزخارف هندسية ونباتية تجسد أصالة الفن الإسلامي.

وصف جامع عقبة بن نافع من الداخل

الصورة عبر wikimedia

من الداخل، ينقسم الجامع إلى ثلاثة أقسام رئيسية: الأروقة والصحن وبيت الصلاة. الأروقة هي ممرات مغطاة تحيط بالصحن من ثلاث جهات، وتحتوي على أعمدة ومقرنصات ومشربيات ونقوش.

الصحن هو مساحة مفتوحة تستخدم للصلاة والتعليم والاجتماعات، وتزينها الأشجار، والنخيل، والزهور، والنوافير. بيت الصلاة هو أكبر وأهم قسم في الجامع، ويتسع لنحو 9000 مصلي، ويحتوي على عدة عناصر فنية وتاريخية مهمة، مثل المحراب، والمنبر، والمقصورة المعزية، والمئذنة.

الصورة عبر wikimedia

بيت الصلاة:

بيت الصلاة هو الجزء الأكثر جمالا وروعة في الجامع، ويستحق الوصف بالتفصيل. يتألف من 17 سفينة متوازية، تتقاطع مع 15 سفينة عمودية، لتشكل شبكة من 415 قسما مستطيلا، يغطي كل منها سقف خشبي مربع. السقوف الخشبية تعتبر من أروع الأعمال الفنية في الجامع، وتزينها النقوش والزخارف الهندسية والنباتية والخطية، بألوان وأشكال متنوعة.

المظلات:

المظلات هي عبارة عن مظلات معلقة من القماش، توضع فوق السقوف الخشبية، لتحميها من الغبار والحرارة والرطوبة. الثريات والمصابيح والمرايا والسجاد هي عناصر أخرى تضيف إلى جمال ورونق بيت الصلاة، وتعكس الفخامة والرقي والأناقة.

الصورة عبر wikimedia

المحراب:

المحراب هو عبارة عن فتحة في الحائط، تشير إلى اتجاه القبلة، وتزينها النقوش، والزخارف.

المنبر:

المنبر هو عبارة عن منصة خشبية مرتفعة، تستخدم لإلقاء الخطبة.

المقصورة المعزية:

المقصورة المعزية هي عبارة عن مقصورة خشبية مغلقة، تستخدم لصلاة الخليفة الفاطمي المعز لدين الله.

المئذنة:

تعتبر مئذنة جامع عقبة بن نافع من بين أقدم وأجمل المآذن التي أقامها المسلمون في أفريقيا. إن جمالها وتاريخها يمتدان ليكونا مصدر إلهام للعديد من المآذن التي أُقيمت في بلاد المغرب العربي بعدها.

تُعد جميع المآذن التي تلتها في تلك المنطقة قد اتسمت بتصميم يتشابه معها، ولا تختلف عنها إلا بتفاصيل بسيطة. يُذكر أن بعض المآذن مثل مئذنة جامع صفاقس ومآذن جوامع تلمسان وأغادير والرباط وجامع القرويين اتسمت بشبه كبير بهذه المئذنة.

تتكون مئذنة جامع عقبة بن نافع من ثلاث طبقات، جميعها بتصميم مربع الشكل. الطبقة الثانية أصغر قليلاً من الطبقة الأولى، والطبقة الثالثة أصغر قليلاً من الثانية. تكتمل هذه البنية الفنية بقبة مفصصة تتوج فوق الطبقات الثلاث. ارتفاع المئذنة يصل إلى 31.5 مترًا، كل هذا يبرز روعة وتفرد هذا الإنجاز المعماري الإسلامي.

أهمية جامع عقبة بن نافع في التاريخ الإسلامي

الصورة عبر wikimedia

جامع عقبة بن نافع ليس مجرد مبنى معماري أو معلم تاريخي أو سياحي، بل هو أيضا شاهد على دور الإسلام في نشر العلم والثقافة والحضارة في شمال إفريقيا والمغرب العربي والأندلس. الجامع كان مركزا للدعوة والتعليم والبحث والنشر في مختلف العلوم والفنون والمعارف.

الجامع استقبل العديد من الصحابة والتابعين والعلماء والمفكرين والأدباء والفقهاء والمحدثين، والمتصوفين.

شهد جامع عقبة بن نافع نهضةً حضارية ملحوظة، حيث كان محورًا للتعليم، والفقه، والحديث، والتصوف. من خلال أروقته خرج العديد من العلماء والأئمة والمجددين، مثل الإمام سحنون وابن رشيق القيرواني وابن شرف وابن الجزار، وغيرهم. تأثير هؤلاء العلماء والمفكرين لا يقتصر فقط على العصور التي أعقبت إنشاء الجامع، بل استمر في تشكيل مسار التاريخ والفكر الإسلامي.

جامع عقبة بن نافع شكل نقطة انطلاق للفتوحات الإسلامية في المغرب العربي والأندلس وصقلية. من هذا المكان خرجت الجيوش المسلمة، تنتشر الاسلام في هذه البلاد وتحمل رسالة الإسلام والعدل والحضارة.

كان الجامع مركزًا حيويًا للمجاهدين والدعاة، الذين قدموا جهودًا جبارة في ترسيخ الإسلام وتعليمه. شهد الجامع العديد من المعارك والانتصارات، التي خلدت تاريخ الفتوحات الإسلامية ورسخت إرثها في الذاكرة التاريخية.

أهمية جامع عقبة بن نافع في مدينة القيروان

الصورة عبر wikimedia

جامع عقبة بن نافع ليس فقط رمزا للتاريخ والحضارة الإسلامية في شمال إفريقيا، بل هو أيضا عامل مهم في تنمية مدينة القيروان وتحريك الحركة الاقتصادية والسياحية فيها. الجامع يجذب الزوار والمهتمين من مختلف أنحاء العالم، الذين يأتون لرؤية عظمته وجماله وروعته، وللاستمتاع بالفنون والزخارف والمعالم التي يحتويها. الجامع يساهم أيضا في إحياء التراث والثقافة.

الجامع يعزز أيضا النشاط الاقتصادي والاجتماعي في مدينة القيروان، ويدعم القطاعات المختلفة مثل النقل والسكن، والتجارة، والصناعة، والخدمات. الجامع يمثل بذلك مصدرا للدخل والرفاهية والتقدم والازدهار لسكان المدينة وزوارها.

كانت هذه جولة في مدينة القيروان، تعرفنا على جامع عقبة بن نافع، وهو تحفة معمارية ومعلم تاريخي وسياحي بارز. تعرفنا على تاريخ بناء الجامع وزخارفه الرائعة ووصفه من الداخل، وقيمنا أهميته وجماله وروعته كمعلم إسلامي فريد. الجامع يعتبر من أهم المعالم الإسلامية في العالم، ويستحق الزيارة والاكتشاف. نأمل أن يكون هذا المقال مفيدا وممتعا لك.

المزيد من المقالات