الحصول على الطاقة من الصحراء: هل يمكننا تغطية الصحراء الكبرى بالألواح الشمسية؟

إنّ العلامات الصارخة التي تشير إلى تغيّر المناخ أجبرت العالَم على التمعّن بشكلٍ مكثَّفٍ أكثر من أيّ وقتٍ مضى في إمكانية الحصول على طاقةٍ خضراءٍ. فوجود مصدرٍ للطاقة لا يعتمد على الوقود الأحفوري وتنتج عنه انبعاثاتٌ كربونيةٌ ضئيلةٌ هو أمرٌ ضروريٌّ لبقائنا على المدى الطويل.

دعونا نفكّر في بعض الخيارات المتاحة، هل ذلك ممكنٌ؟

خيارات الطاقة التي لدينا

يمكن أن تكون الطاقة النووية هي الحلّ، حيث أنها لا تنتج أيَّ انبعاثاتٍ كربونيةٍ. لكنْ لسوء الحظ لا تستطيع جميع البلدان أن تتحمَّل تكلفة إنشاء محطّاتٍ نوويةٍ، لأنها تتطلَّب الكثير من الموارد، كما أنها تخلق مخاطرَ كبيرةً متعلّقةً بإمكانية وقوع حوادثَ نوويةٍ.

entry-icon
entry-icon
entry-icon
entry-icon

فماذا إذن عن عنفات الرياح؟ إنها مصدرٌ للطاقة مستدامٌ ونظيفٌ، لكنّ هذه العنفات يمكن أن تكون صاخبةً إلى حدٍّ بعيدٍ، كما أنها يمكن أن تشكِّل خطراً على حياة الطيور المحلية. بالإضافة إلى أنّ الرياح ليست مصدراً موثوقاً به، لأنها لا تهبّ دائماً.

وللأسف محطّات الطاقة الشمسية لديها أيضاً مشكلةٌ مماثلةٌ. إذْ لا تسطع الشمس دائماً في السماء، وهناك مناطقُ يكون ضوء الشمس فيها خفيفاً أو تكون السماء غائمةً في غالب الأوقات. مع ذكرنا لذلك، هناك حلٌ لهذا الأمر ... إنه الصحارى! فهي أراضٍ غير مأهولةٍ إلى حدٍّ كبيرٍ وتتمتّع بأشعة الشمس المتوفّرة بشكلٍ فائضٍ.

فلماذا لا نغطّي الصحارى مثل الصحراء الكبرى بالألواح الشمسية؟

مزايا محطات الطاقة الشمسية في الصحراء

الصورة عبر unsplash

حسب ما يذكر عالم الفيزياء الألماني جيرارد كنيس، فإنّ الصحارى حول العالم تتلَّقى في ستِّ ساعاتٍ فقط (173000 تيراواط) من الطاقة الشمسية، وهو مقدارٌ أكثر ممّا يستهلكه الإنسان في عامٍ واحدٍ كاملٍ. (مصدر المعلومات متوفّر)

أطيب التمنيات

تبلغ مساحة الصحراء الكبرى في أفريقيا 9.2 مليون كيلومتر مربع، وتحتّل 8% من مساحة اليابسة على الأرض. فإذا تمَّت تغطية 1.2% من هذه الصحراء –أي حوالي 110 ألف كيلومتر مربع– بألواح الطاقة الشمسية، فإنها ستكون كافيةً لتلبية احتياجات العالم بأسره من الطاقة.

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ هطول الأمطار في الصحراء منخفضٌ للغاية، وتغطيتها بالسحب قليلةٌ أو معدومةٌ، والحياة البرّية محدودةٌ، وأعداد البشر لا تُذكَر. هذه الصفات تجعل الصحراء عديمة الفائدة عملياً لأيّ اهتمامٍ إنساني. ولكنْ يمكن لقمامة رجلٍ ما أن تكون بمثابة كنزٍ لرجلٍ آخر، وفي هذه الحالة تكون كنز العالَم بأسره. إنّ هذا يجعل الصحراء الكبرى أفضل رهانٍ لنا للحصول على مصدرٍ نظيفٍ ومستدامٍ للطاقة الشمسية. فإذا كان الأمر كذلك، فهل هناك من يعمل على تحقيق هذا الشيء؟

نعم كان هناك من يعمل على ذلك. ففي عام 2009، أطلقت مؤسسة ديزيرتيك مبادرةً لتزويد أوروبا بالطاقة الشمسية المولَّدة في الصحارى. ولكنْ بعد وقتٍ قصيرٍ من إنشائها، بدأت المبادرة تعاني عوامل الفشل بسبب مشاكلَ تتعلّق بإمكانية التنفيذ وبالنقل وبالتكلفة.

الألواح الشمسية يمكن أن تحوَّل الصحراء إلى مناطقَ خضراء

الصورة عبر pexels

قد تكون الألواح الكهرضوئية واسعة النطاق التي تغطّي الصحراء الكبرى هي الحلّ لمتطلَّباتنا الكهربائية، ولكنها قد تسبّب أيضاً المزيد من المشاكل للبيئة.

تكشف دراسةٌ بالمحاكاة أجرتها مؤسسة إي سي إيرث EC-Earth في مزرعةٍ للطاقة الشمسية عن تأثير الوَضاءة Albedo المنخفضة للصحراء على النظام البيئي المحلي. الوَضاءة هي قياس الجزء من الطاقة الشمسية الذي ينعكس عن الأرض، ويتمّ قياسه على مقياسٍ من 0 (وهذا يشير إلى سطحٍ عالي الامتصاص) إلى 1 (وهذا يشير إلى سطحٍ عاكسٍ).

وتشير الدراسة إلى أنه إذا استحوذت الألواح الشمسية على أكثر من 20% من إجمالي مساحة الصحراء الكبرى، فإنّ هذا قد يؤدّي إلى حلقةٍ مفرغةٍ من ارتفاع درجات الحرارة. إذْ يؤدّي تشكيل غطاءٍ من الألواح الشمسية على سطح الصحراء إلى تغيير الوَضاءة، حيث تمتصّ الخلايا الكهرضوئية الإشعاع الشمسي من أجل توليد الطاقة. وبالتالي فإنّ الألواح الشمسية الكهرضوئية لديها وَضاءةٌ أقلّ بالمقارنة مع رمال الصحراء التي تعكس ضوء الشمس.

ومع ذلك، فإنّ الألواح الشمسية لا تحوِّل ضوء الشمس الساقط بالكامل إلى كهرباء. وبدلاً من ذلك، يتحوَّل جزءٌ من الطاقة الشمسية إلى حرارةٍ، ممّا يمكن أن يغيّر درجة الحرارة المحلية. تؤدّي الألواح الشمسية الساخنة إلى ارتفاع درجة حرارة الهواء السطحي وتدفُّق تيّارات الحمل الحراري، وهذا يؤدّي بدوره إلى تكثّف البخار إلى مطر. وبالتالي فإنّ زيادة هطول الأمطار ستكون عاملاً معزِّزاً لنمو الغطاء النباتي، ممّا يقلّل من الوَضاءة بشكلٍ أكبر، حيث تمتصّ النباتات ضوء الشمس بشكلٍ أفضل من الرمال.

الجفاف والأعاصير وذوبان الجليد البحري

الصورة عبر flickr

إنّ الألواح الشمسية يمكن أن تعيث فساداً في أجزاء أخرى من العالَم أيضاً، كما لو أنّ تحويل الأرض الرملية الساخنة في الصحراء الكبرى إلى أرضٍ خضراءَ ممطرةٍ لم يكُن كافياً.

تشير المحاكاة إلى زيادةٍ قدرها حوالي 1.5 درجة مئوية في درجة حرارة الهواء السطحي المحلي في السيناريوهات التي تتمّ فيها تغطية 20٪ من المساحة الأرضية بالألواح الشمسية. وبشكلٍ مماثلٍ، ستكون هناك زيادةٌ قدرها حوالي 2.5 درجة مئوية مع تغطية الأراضي بنسبة 50٪. وفي نهاية المطاف، يمكن أن يؤدّي كلا السيناريوهَين إلى زيادة درجات الحرارة في الكرة الأرضية من خلال الغلاف الجوي والتيارات الموجودة في المحيطات. ومن المتوقَّع رؤية تأثيراتٍ أكبر لارتفاع درجة الحرارة في منطقة القطب الشمالي في السيناريو الثاني. فمن شأن ارتفاع درجة حرارة المنطقة القطبية أن يتسبَّب في ارتفاع مستوى سطح البحر بسبب ذوبان الجليد البحري.

ومن شأن إعادة توزيع هطول الأمطار في الصحراء الكبرى والمناطق المجاورة أن يقلّل من هطول الأمطار في منطقة الأمازون بنسبة 10-30٪. وهذا هو تقريباً نفس كمية الأمطار الإضافية التي ستتلقَّاها الصحراء الكبرى بسبب انخفاض الوَضاءة الناتج عن الألواح الشمسية الكهرضوئية. وسيؤدّي انخفاض الرطوبة ونقصان تكثّف البخار وهطول الأمطار إلى ظروفٍ شبيهةٍ بالمناطق الجافّة في منطقة الأمازون.

ولدقّ المسمار الأخير في نعش مشروع مزارع الطاقة الشمسية في الصحراء، فإنّ من شأن ذلك المشروع أن يعزّز تطوّر الأعاصير المدارية فوق أمريكا الشمالية وسواحل شرق آسيا.

قضايا التخزين والنقل

الصورة عبر unsplash

حتى لو تغلَّبنا على جميع الآثار الكارثية المُحتمَلة لمزارع الطاقة الشمسية الصحراوية، فسيتعيَّن علينا حلّ المشاكل اللوجستية المتعلّقة بتخزين ونقل كلّ تلك الطاقة. فنحن سنحتاج إلى بطارياتٍ ضخمةٍ للغاية لتخزين الطاقة المتولّدة أثناء النهار من أجل مواصلة إمداد الطاقة طوال الليل. وستحتاج كلُّ لوحةٍ إلى بطاريةٍ منفردةٍ لإخراج الطاقة دون انقطاع طوال اليوم، وهذا من شأنه أن يضاعف التكلفة الإجمالية لمحطة الطاقة الشمسية تقريباً.

وماذا عن النقل؟ كيف سيمكننا تزويد العالَم كله بالطاقة من محطةٍ للطاقة الشمسية موجودةٍ وسط الصحراء؟ في الوقت الحالي، لا تزال أفريقيا متأخرةً كثيراً في مجال تطوير شبكاتٍ كهربائيةٍ موثوقةٍ. كما أنّ نقل الطاقة لمسافاتٍ طويلةٍ عبر خطوط الكهرباء تأتي معه أيضاً نسبةٌ معيّنةٌ من فقدان الطاقة (تصل إلى 22.8٪).

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ المنطقة الأفريقية غير مستقرةٍ سياسياً، ممّا يجعل الاستثمارات الكبيرة (مثل مزرعة الطاقة الشمسية) في هذه المنطقة محفوفةً بالمخاطر.

الصورة عبر Wikimedia Commons

هل نحتاج حقّاً إلى الاستيلاء على فدادينَ واسعةٍ من الأراضي الصحراوية وإلى تشويش النظام البيئي من أجل إنتاج الطاقة الشمسية؟ في الحقيقة، على الرغم من أنّ فكرة جني كمياتٍ كبيرةٍ من الطاقة من محطات الطاقة الشمسية الصحراوية قد تكون نموذجيةً، إلّا أنها لا تزال معقَّدةً للغاية بحيث لا يمكن تحويلها إلى واقعٍ فعلي. بالمقابل نحن نمتلك التكنولوجيا اللازمة لتمكين بلداتنا ومدننا من توليد الطاقة الشمسية الخاصّة بها.

ومع ذلك، إذا تحقّق هذا المفهوم على أرض الواقع، فإنه سيكون إنجازاً عظيماً للعالَم كلّه، لأنه سيسمح لنا بتقليل اعتمادنا على الوقود الأحفوري وبالتحرّك نحو مستقبلٍ أكثر استدامةً.

المزيد من المقالات