هل صحيحٌ أنّ جسمنا يتغيّر بالكامل كلّ 7 سنوات؟

نحن كائناتٌ بيولوجيةٌ، وأجسامنا تتغيّر باستمرار منذ المرحلة التي نكون فيها حديثي الولادة إلى أن نصل إلى مرحلة الشيخوخة. وهناك أنواعٌ مختلفةٌ من الخلايا تشكِّل أعضاءً مختلفةً في أجسامنا، وهذه الخلايا تتجدّد باستمرار حيث تحلّ الخلايا الأحدث محلَّ الخلايا القديمة.

الأمر السابق أدّى إلى إثارة نظرياتٍ فكريةٍ فلسفيةٍ تشكّك في طبيعة الهوية الفردية. وربما تكون قد سمعت القول الشائع بأنّ جسمنا يستبدل كل خلاياه بالكامل ويتحوَّل إلى تركيبةٍ خلويةٍ جديدةٍ تماماً كلّ 7 سنوات. إذا كان الأمر كذلك، فهل أنت هو نفس الشخص الذي كُنتَ عليه قبل 7 سنوات؟ أم أنّ ذاك هو شخصٌ آخرُ؟ وماذا عن الشخص الذي في المستقبل... هل سيكون هو أنت أيضاً؟ أم أنه شخصٌ مستقلٌّ عنك؟

أنا شخصياً أشعر بأنني نفس الشخص الذي كنت عليه دائماً على المستوى الأساسي عندما أنظر إلى الوراء. ومع ذلك، هذا سيناريو صعب، لذا دعونا نرى ما إذا كان ادّعاء تجدّد أجسادنا بالكامل خلال 7 سنوات صحيحاً، فربما يساعدنا ذلك على التعرّف على هوياتنا بشكلٍ أفضل قليلاً.

ولادة الخلية

لكي يقوم الجسم بوظائفه بشكلٍ كاملٍ، يجب أن تموت الخلايا القديمة وتتكوَّن خلايا جديدةٌ. إحدى الطرق التي تتكوَّن بها الخلايا الجديدة هي من خلال عملية الانقسام الفتيلي. في دورة الخلية، الانقسام الفتيلي هو حيث تنشأ نواتان جديدتان من انفصال الكروموسومات المُضاعَفة. وتنقسم عملية الانقسام الفتيلي نفسها إلى مراحل مختلفة؛ وهي الطور التمهيدي، والطور السابق للتالي، والطور التالي، وطور الصعود، والطور النهائي. كلُّ مرحلةٍ من المراحل السابقة هي تطورٌ معيّنٌ يحدث خلال انقسام الكروموسوم الأصلي الذي ينتج عنه خليتَين ابنتَين، تكونان نسختَين متشابهتَين من الخلية الأصلية.

entry-icon
entry-icon
entry-icon
entry-icon

العملية الأخرى التي تؤدّي إلى الحصول على خلايا جديدةٍ تتمّ من خلال الخلايا الجذعية. إذْ تنقسم الخلايا الجذعية مراراً وتكراراً من أجل إنتاج أنواعٍ مختلفةٍ من الخلايا المتخصّصة المطلوبة في الجسم. كما أنها تنتج أيضاً خلايا جذعيةً جديدةً، مما يعزّز عملية صنع الخلايا الجديدة. وهناك ثلاثة أنواعٍ من الخلايا الجذعية. الأول هو الخلايا الجذعية الجنينية وهي المسؤولة عن توفير خلايا جديدةٍ للجنين أثناء نموه. ويُقال عنها إنها ذات قدرات كلّيّة التعدّد، وهذا يعني أنها يمكن أن تتحوَّل إلى أيِّ نوعٍ من الخلايا التي يحتاجها الجسم. الثاني هو الخلايا الجذعية البالغة وهي مسؤولةٌ عن توفير إمداداتٍ ثابتةٍ من الخلايا الجديدة للشخص البالغ النامي. وهذه الخلايا متعدّدة القدرات، ولكنْ لا يمكنها أن تتحوَّل إلّا إلى بعض أنواع الخلايا التي يحتاجها الجسم. الثالث هو الخلايا الجذعية المُحفَّزة ذات القدرات كلّيّة التعدّد، وهي تلك التي يتمّ تصنيعها في المختبر. حيث يتمّ تصنيعها عن طريق إعادة برمجة خلايا تؤخَذ من الجلد أو من مناطق أخرى من الجسم، ويكون بالإمكان تغييرها إلى أيّ خليةٍ يحتاجها الجسم.

كيف نعرف عمر الخلايا في أجسامنا؟

الصورة عبر PixxlTeufel على pixabay

أثناء محاولة الدكتور جوناس فريسن -وهو عالم في بيولوجيا الخلايا الجذعية في معهد كارولينسكا في ستوكهولم- تحديد ما إذا كانت قشرة أدمغتنا تنتج خلايا جديدةً أم لا، كان عليه أن يجد طريقةً جديدةً لتحديد عمر الخلايا. فالتقنيات المتوفّرة كانت تتطلَّب وضع علاماتٍ على الحمض النووي باستخدام موادَّ كيميائيةٍ، وهذه العملية لم تكن عمليةً مثاليةً حتى على وجه التقريب.

أطيب التمنيات

كان على الدكتور فريسن أن يبحث عن علامةٍ طبيعيةٍ يمكنه من خلالها استنتاج عمر الخلايا. وقد تذكَّر أنّ الأسلحة النووية كانت تُختَبر فوق الأرض حتى عام 1963، وقد أدَّت هذه الاختبارات إلى حقن الغلاف الجوّي بالكربون 14 المشعّ. هذا الكربون 14 المشعّ يدخل إلى الحمض النووي للخلايا، حيث تتنفسه النباتات وتأكله الحيوانات وكذلك البشر في أطعمتهم. ومن المعروف أنّ الحمض النووي يتضاعف في كلِّ مرةٍ تنقسم فيها الخلية، ولكنْ لا يتمّ استبدال الحمض النووي الموجود في أيّ خليةٍ أبداً، على الرغم من أنّ معظم الجزيئات نفسها يتمّ استبدالها. وهكذا تكتسب الخلية الجديدة الحمض النووي الخاصّ بها عند تكوينها، بما في ذلك الكربون 14 الذي تمّ وضعه كعلامةٍ بشكلٍ طبيعي. أدرك الدكتور فريسن أنّ تخصيب علامة الكربون 14 هذه على الحمض النووي يمكن استخدامه لتقدير عمر الخلية.

وقد استخدم الدكتور فريسن الأنسجة بدلاً من الخلايا لتحديد العمر، حيث تحتوي الخلية على كميةٍ قليلةٍ جداً من الكربون 14 من أجل التأريخ الزمني. ثمّ تمَّ استخدام هذه التقنية لتحديد عمر الخلايا المختلفة في أعضاء جسم الإنسان.

العمر الحقيقي لجسمنا

الصورة عبر myshoun على pixabay

في 15 يوليو 2005، أصدر الدكتور فريسن وزملاؤه النتائج التي توصَّلوا إليها حول عمر الخلايا المختلفة في أحّد أعداد مجلة سيل (الخلية: Cell). وقد أجروا هذا البحث على أشخاصٍ بالغين في أواخر الثلاثينيات من عمرهم. ووجدوا أنّ متوسط عمر الخلايا الموجودة في عضلات هؤلاء البالغين هو 15.1 عاماً. من جهةٍ أخرى، تمتلك الخلايا الظهارية الموجودة على سطح الأمعاء عمراً قصيراً جداً يبلغ 5 أيامٍ فقط في المتوسط. ومع ذلك، كان متوسط عمر الخلايا في المنطقة الرئيسية من الأمعاء 15.9 عاماً في المتوسط.

ومن خلال طرقٍ أخرى، من المعروف أنّ خلية الدم الحمراء تسافر مسافةً هائلةً تبلغ 300 ميل في جميع أنحاء الجسم، وتبلغ حياتها حوالي 4 أشهر. بينما تعيش خلايا الدم البيضاء لفترةٍ أطول من ذلك، حيث تدوم في المتوسط حوالي عامٍ واحدٍ. وتتمتَّع خلايا القولون بعمرٍ أقصر نسبياً حيث يبلغ 4 أيامٍ فقط؛ ونجد هذه الحياة القصيرة في خلايا الحيوانات المنوية أيضاً، إذْ تدوم 3 أيامٍ فقط. تتغيَّر الخلايا الموجودة على الجلد باستمرارٍ، حيث يتعيَّن عليها التعامُل مع عملية الحفاظ على الفرد وصيانته، فتعيش ما يقرب من 2 إلى 3 أسابيع. ويمكن أن يستغرق الهيكل العظمي للإنسان حوالي 10 سنوات ليتمّ استبداله بالكامل. بينما يستغرق الكبد حوالي 300-500 يوم لتجديد نفسه بالكامل.

والآن يأتي السؤال الكبير المتعلق بهويّاتنا: هل يتمّ استبدال الخلايا الموجودة في الدماغ بالكامل أيضاً؟ وجد الدكتور فريسن وزملاؤه أنّ الخلايا الموجودة في القشرة البصرية كانت في نفس عمر الفرد تماماً، وهذا ما يدلّ على أنه بعد الولادة لا يتمّ إنشاء أيّ خلايا عصبيةٍ جديدةٍ في القشرة الدماغية، على الأقلّ ليس بالأرقام التي من شأنها أن تحدث فرقاً. ووجدوا أيضاً أنّ الخلايا الموجودة في المخيخ لدى الفرد كانت أصغر سنّاً بقليلٍ، ممّا يعطي مصداقيةً للفكرة القائلة بأنّ التطوّر في المخيخ يستمر بعد الولادة.

الاستنتاج الأخير

الصورة عبر Bret Kavanaugh على unsplash

إنّ الخلايا الموجودة في جسم كلّ إنسان هي في حالة تغيرٍ مستمرٍّ طوال حياة الفرد. ولكنْ على الرغم من أنّ جميع الخلايا تقريباً تموت ويتمّ استبدالها باستمرار، إلّا أنّ دورات حياتها تختلف باختلاف الأعضاء والأنواع والوظائف. ويمكن أن تكون دورة الحياة هذه قصيرةً حتى 3 أيام أو طويلةً حتى 16 عاماً!

والشيء الذي يجعلك الشخص الذي أنت عليه (أي دماغك) لا يصنع خلايا عصبيةً جديدةً بعد تكوينه. فالدماغ الذي تحتفظ فيه بذكرياتك وأفكارك ومعتقداتك وشخصيتك وكل التفاصيل الأخرى الخاصّة بك يبقى هو نفسه طوال حياتك.

وفي الختام، فإنّ الادّعاء بأنّ جسمنا يتغيّر بشكلٍ كاملٍ كلّ 7 سنوات هو ادّعاءٌ كاذبٌ. والادّعاء الأكثر دقّةً هنا هو أنّ معظم أجزاء الجسم تتغيَّر كل 10-15 سنة، في حين أنّ بعض أجزائه تظلّ كما هي ولا تموت إلّا مع موت الشخص نفسه.

المزيد من المقالات