علم الانجذاب: هل تتجاذب الأضداد حقًا أم أن التشابهات تحكم؟
كثيرًا ما تُخبرنا الأقوال اليومية عن الحبّ أن الأضداد تتجاذب. سواء أكانت النصائحُ تأتي من الأفلام أم من الاقتباسات الشهيرة، فكلُّها تشير إلى أن الأشخاص الذين يختلفون عن بعضهم البعض هم الذين يُثيرون اهتمام بعضهم البعض أكثر من غيرهم. ومع ذلك، كلّما راقبْتَ علاقاتك وشركائك في الحياة، ستجد أنهم يشاركونك الكثيرَ من الأشياءِ التي تثير إعجابَك، وعدمَ إعجابك، والأشياءِ المفضَّلة عندك، والآراءِ حول الموضوعات المثيرة للجدل، بدءًا من نكهات الآيس كريم وحتى القيم الأخلاقية.
فهل الاختلاف عن الآخرين هو الذي يهمّنا أم التشابه؟ يُرجى ملاحظة أن هذه المقالة تأخذ في الاعتبار فقط الانجذابَ العقلي الذي نشعر به تجاه الشخص، أي مدى شعورك بالقرب والراحة تجاهه بشكل أفلاطوني. المقالُ لا يأخذ في الاعتبار الانجذابَ الجنسي؛ ولا تؤخذ في الاعتبار عواملُ مثل المظهر وتأثير الرائحة على الجاذبية.
وجهات النظر المبكرة حول الانجذاب
في عام 330 قبل الميلاد، كتب أرسطو عن الصداقة، موضحًا أن التشابهَ هو أساسُ علاقاتنا. ويأتي الدليل العلمي لهذا الرأي من فرضية التشابه، التي اقترحها السير فرانسيس جالتون (1952)، حيث حصل على بيانات عن المتزوجين ووجد أن الزوجَين متشابهان في كثير من النواحي.
أشارت الدراساتُ اللاحقة حول الانجذاب إلى أن هذا الاتجاهَ ينعكس أيضًا في الصداقات. أعرب الأشخاصُ الذين لديهم درجات أعلى من التشابه عن مشاعر أقوى من "الإعجاب" تجاه بعضهم البعض. وكانت هذه الدراساتُ ذاتَ طبيعة ارتباطية، وقد ذكر الباحثون أنه لا توجد سوى علاقة بين التشابه والانجذاب، حيث لا تُشير إلى ما إذا كان التشابه يُسبِّب الجاذبية. يمكن أن تشيرَ البيانات التي عثر عليها جالتون إمّا إلى أن أوجهَ التشابه تؤدي إلى الإعجاب، أو أن الإعجاب يقتضي التشابه.
تمّ ّتقديمُ الدليل على أن التشابه هو أساس الجذب في عام 1956 من قبل ثيودور نيوكومب، وهو عالم نفس اجتماعي يحظى باحترام كبير. قامت تجربتُه بقياس مواقف الطلاب الجدد تجاه قضايا مختلفة، مثل الأسرة والدين والشؤون العامة والعلاقات العرقية. تمّ إجراء الاستطلاع قبل أن يلتقوا بالطلاب الآخرين المُحوَّلين من جامعات أخرى، للتأكد من أن الطلاب لا يعرفون بعضهم البعض. ثم أشار الطلاب بعد ذلك إلى إعجابهم ببعضهم البعض على أساس أسبوعي.
عندما قام نيوكومب بتقييم الطلاب في نهاية الفصل الدراسي، وجد أنه كلما كان الطلاب أكثر تشابهًا في المواقف التي يحملونها، كلما انتهى بهم الأمر إلى الإعجاب ببعضهم البعض. وهذا يوفّر تأثيرًا سببيًا قويًا للتشابه على الجاذبية. وقد أكّد العديدُ من الدراسات الأخرى نتائجَ نيوكومب واقترح أدلةً لتأكيد فرضية التشابه. كلما كنتم متشابهين مع بعضكم البعض، ازداد إعجابُكم ببعضكم البعض!
إذن، هل تتجاذب الأضداد؟
وهذا يعيدنا إلى فكرة "تجاذب الأضداد". إذا أظهر البحثُ أعلاه بوضوح أن الأشخاصَ الذين لديهم أوجهَ تشابهٍ يحبون بعضهم البعض بشكلٍ أكثر، فهل هناك أيّ دليل على تجاذب الأضداد؟
من المحتمل أنك وجدت نفسك منجذبًا إلى شخص مختلف تمامًا عنك في مرحلة ما من حياتك. يُظهر عددٌ لا يحصى من الكتب والأفلام وقوعَ الولد الشرير في حب الفتاة المهووسة بالدراسة، أو شخصَين متناقضين يجدان الحبَّ، وهو ما يشير على ما يبدو إلى أن الأضداد تتجاذب.
وضعت الدراساتُ السابقة التي أجريت في الفترة من 1960 إلى 1975 فرضياتٍ حول التتاميّة. هذه هي الاختلافات التي -عندما يتم دمجها- يمكن أن تساعدَ في جعل الأجزاء الفردية تعمل معًا بشكل فعال (يُكمل بعضُها بعضًا)، ويمكن أن تشكِّل أساسَ الانجذاب.
على سبيل المثال، قد ينجذب الأشخاص المسيطرون إلى الأشخاص الخاضعين، بينما قد ينجذب الأشخاص الثرثارون إلى الأشخاص الأكثر هدوءًا. وكانت الفكرة وراء ذلك هي أن مثل هذا التكامل/التتاميّة قد يكون مفيدًا لكلا الفردَين في العلاقة، مما قد يشكل أساسًا جيدًا للانجذاب.
ومع ذلك، عندما تمّ اختبارُ هذه الأفكار بشكل رسمي ومباشر، فشلت الدراسات في دعم فكرة أن التتاميّة هي المُحدِّد الرئيسي للانجذاب. عندما يتعلق الأمر بمواقفنا، وقيمنا، وعاداتنا السيئة، ومستويات الدخل، والقدرة الفكرية، و السمات الشخصية، وحتى الأشياء البسيطة مثل نكهة الآيس كريم المفضَّلة لدينا أو أبراجنا الفلكية، إذ كلّما زاد عدد الأشخاص المتشابهين، ازداد الانجذاب. لقد كان التشابه هو الذي أدى إلى الانجذاب.
لذا، في المجمل، هناك القليلُ جدًا من الأدلة، إن وجدت، على أن الأضداد أو التتاميّات تؤدي إلى انجذاب طويل الأمد.
وهذا يخبرنا أن الدليلَ على أن اقتضاءَ التشابه لمزيدٍ من الانجذاب، وعلى أنه أساسُ الإعجاب بشخص ما، هو دليلٌ أقوى وأكثرُ ثباتًا. السؤال الأكبر هو... لماذا يؤدّي التشابه إلى جاذبية أكبر؟
يُمكن تفسيرً ذلك من خلال أثر التشابه والاختلاف.
أثر التشابه والاختلاف
كشفت الدراسات أن أثرَ التشابه والاختلاف ينشأ عندما يستجيب الناس للانجذاب بين الأشخاص. ما يعنيه هذا الأمر هو أن انجذابَك لشخص ما يتحدّد بنسبة التشابه الذي تشاركه معه.
لنفترض أنك تعبر عن آرائك حول عدة مواضيع مع شخص ما. تكتشف أن لديكما وجهاتِ نظرٍ مماثلةٌ حول العديد من المواضيع التي ناقشتماها. هذا سيجعلك أكثر انجذابًا إليه.
يمكننا ببساطة قسمةُ عدد المواضيع التي يتم التعبير عن وجهات نظر متشابهة فيها على إجمالي عدد المواضيع التي تمت مناقشتها للتنبؤ بمستوى الانجذاب تجاه شخص ما. كلما زادت نسبةُ التشابه، ازداد إعجابُك بهذا الشخص.
من المهم أن نلاحظ أن تأثير التشابه على الجاذبية قوي للغاية. وينطبق هذا على العديد من المواضيع التي تناقشها مع شخص ما، بغض النظر عن مدى تفاهتها وبديهيّتها. وينطبق هذا التأثير أيضًا على الذكور والإناث بالتساوي، وينطبق على الجميع، بغض النظر عن أعمارهم أو ثقافتهم أو اختلافاتهم التعليمية.
الحالات الأخرى التي يكون فيها أثرُ التشابه والاختلاف صحيحًا هي عندما يتعلق الأمر بالمعتقدات الدينية، ومفهوم الذات، وكونك شخصًا صباحيًّا أو مسائيًّا، وحتى اعتبار نفس النوع من النكات مضحكًا !
هل حتى التشابهات التافهة والبديهيّة تولّد الجاذبية؟
إن مشاركةَ حتى أوجه التشابه التافهة -مثل وجود نفس الحرف الأول في اسمك مثل شخص آخر، أو مشاركة الأبراج الفلكية نفسها، أو وجود نفس تاريخ الميلاد- يمكن أن تؤدي جميعُها إلى جعلك تجد الشخصَ الآخر أكثر جاذبيّة.
يحدث هذا بسبب أثرٍ يُعرَف بالأنانية الضمنية.
هذا يعني أن المشاعر الإيجابية التي تشعر بها تجاه نفسك، مثل شعورك الإيجابي تجاه اسمك أو برجك، يمكن أن يكون لها أثرٌ تراكميّ فائض غير مباشر. يمكن لهذا الأثر غير المباشر أن يزيد من انجذابك نحو الشخص الذي تشاركه هذه التشابهات التافهة. لذلك، فإن الارتباطات الإيجابية التي تربطك بشيء متعلِّق بنفسك يمكن أن تزيد من عاطفتك تجاه الآخرين الذين يشاركونك الصفاتِ أو الخصائصَ نفسَها ! وتؤكِّد هذه النتائج أيضًا المبدأَ الأساسي للحياة الاجتماعية، وهو أن التشابهَ هو أساسُ الجذب. فآثار التشابه قوية وقوية جداً، ويمكن أن تحدث دون قصد، لكن لا سبيل لتجنبها!