مَنْ يجد شيئاً يحتفظ به؟ كشف أسرار السفن الغارقة التي تمَّ إنقاذها
تخيَّل الموقف التالي: بينما كنتَ تمشي على طول الشاطئ، إذا بك تصادف حاوية شحنٍ رماها البحر هناك وهي مليئةٌ بالبضائع الجيدة. بالكادّ تستطيع أن تصدّق مدى حسن حظّك، وتبدأ بالاستيلاء على كل ما يمكنك الحصول عليه. ولكنْ هل هذه البضائع هي ملكك بشكلٍ قانوني الآن؟ كان هذا هو السؤال الذي تمّ طرحه عندما جرفت الأمواج حاوية شحنٍ على شاطئ إحدى الجزر. ما سبَّب خيبة أملٍ للكثيرين حينها هو أنها كانت فارغةً. ولكنّ السؤال بقي مطروحاً: مَنْ الذي يمكنه المطالبة بالملكية البحرية للأشياء التي ينتهي بها المطاف على شواطئنا؟
تبيّنَ أنّ الأمر ليس بسيطاً مثل القول: مَنْ يجد شيئاً يحتفظ به.
لنستعرض قانون الإنقاذ، ونعني بذلك عملية تخليص سفينةٍ ما أو بضائعَ مشحونةٍ عليها من المخاطر في عرض البحر.
ببساطة يمكن أن نقول إنها خدمةٌ من قبل متطوّعٍ من أجل إنقاذ الممتلكات القابلة للنجاة من الضياع أو التلف.
وقيام المُنقِذ بأداء عملية إنقاذٍ ناجحةٍ يمنحه الحقَّ في الحصول على مكافأةٍ ماليةٍ من مالك الممتلكات التي تمَّ إنقاذها.
يقول المحامي البحري جون كافانا John Kavanagh إنه عندما يتعلّق الأمر بالإنقاذ، فهناك بعض المفاهيم التي يجب مراعاتها:
-عليها أن تكون في خطر: لا بدّ من وجود خطرٍ ما على الممتلكات البحرية، وإلّا فلن يكون هناك إنقاذٌ لها من هذا الخطر.
-عليك أن تكون متطوعاً: لا يجوز أن يكون أداؤك لعملية الإنقاذ ناجماً عن قيامك بأيِّ نوعٍ من الواجبات أو المتطلَّبات التي تُلزمك بهذا الأداء. وبهذا الشكل نستبعد هنا أفراد الطاقم الذين يقومون بإنقاذ سفينتهم بالذات، وكذلك نستبعد أفراد الشرطة وخدمات الطوارئ الأخرى التي من مهامها إنقاذ الممتلكات
- عليك أن تنجح في مسعاك: لقد تمّ تقديم خدمات الإنقاذ تاريخياً وفق القاعدة التي تنصّ على أنه "لا شفاء إذن لا أجر". "الشفاء" في هذا السياق يعني أنه قد تمّ فعلياً إنقاذ جزءٍ من السفينة أو من الحمولة، أمّا "الأجر" فهو يتعلّق بقيمة الممتلكات التي تمّ تخليصها.
يقول كافانا: "إذا قُمتَ بمراعاة جميع هذه المفاهيم، واستطعت استرداد الممتلكات وتخليصها، عندها يمكنك الذهاب إلى المالك والقول: ‘إنّ الممتلكات الخاصّة بك هي في حوزتي، وإذا دفعت لي مكافأة الإنقاذ، فسوف أعيدها إليك‘ ".
لقد قمتُ بإنقاذ بعض الممتلكات البحرية، فما هي مكافأتي؟
تتغيّر قيمة المكافأة اعتماداً على قيمة ما تمّ إنقاذه، وكذلك على مدى الجهد الذي بذلته من أجل ذلك الإنقاذ.
لكنّ الحدّ الأقصى لتلك المكافأة هو قيمة الممتلكات نفسها.
يقول كافانا: "هناك عددٌ لا بأس به من الأمور يجب أخذها بعين الاعتبار، مثل درجة مهارات المرء، وقيمة الاستثمار الذي وضعه المنقذ من أجل العملية والوقت والجهد والوقود والسفن والأشخاص، وما إلى ذلك".
"هناك أيضاً درجة النجاح التي حقَّقتها العملية. فربما تنجح فعلاً في إنقاذ ما تريد، ولكنك تكون قد ألحقت به أضراراً كبيرةً خلال إجرائك لذلك."
وبالتأكيد يجب أخذ قيمة الشيء الأصلي نفسه بعين الاعتبار أيضاً.
"إذا كانت هناك سفينةٌ تبلغ قيمتها 10 ملايين دولار، وكانت في حالة خطرٍ لا يمكن تصوّره، وكان عليك ممارسة قدرٍ كبيرٍ من المهارات واستخدام الكثير من الموارد من أجل إنقاذها، وحقَّقت في النهاية نجاحاً تامّاً في مسعاك، عندها يمكنك المطالبة بمقدارٍ يصل إلى مئة في المئة من قيمة الممتلكات."
ما هو الفارق بين الإنقاذ والسرقة؟
هذا الأمر يعتمد تماماً على نواياك.
يقول السيد كافانا: "هناك دائماً عنصران لأيّ جريمةٍ جنائيةٍ. الأول هو الركن العقلي، والثاني هو الركن المادي".
"العنصر المادي هو عملية الأخذ، أي عندما تُخرِج البضائع من الحاوية وتحتفظ بها. والفارق الأساسي بين السرقة والإنقاذ هو النيّة."
"إذن إذا كانت نيّتك هي الإنقاذ، فحتى لو أخذت البضائع وتولّيت العناية بها، لكنّك اتّصلت بعد ذلك بالمالك وقلت له: ‘لقد أنقذت بضاعتك‘، فهذا يعني أنه ليس لديك النيّة لحرمان مالك تلك البضائع منها بشكلٍ دائمٍ".
حسب ما يقول كافانا فإنّ محاولة الاتصال بالمالك كانت هنا بمثابة "دليلٍ على النيّة".
"النيّة الموجودة في رأس أيِّ شخصٍ هي أمرٌ غير مرئي ... ولكنْ إذا كان لديك دليلٌ، أنك تواصلتَ مع المالك، وقُمْتَ بإجراء استفساراتٍ، وعثرت عليه واتصلت به لإخباره أنك حصلت على بضائعه ويمكنه استعادتها إذا دفع تكلفة الإنقاذ، فمن الواضح جداً أنّ لديك نيّة الإنقاذ. ولكنْ إذا قُمْتَ بإعادتها إلى منزلك واحتفظت بها ولم تخبر أحداً عنها ... فسيعتقد معظم الناس أنه ليس لديك أيُّ نيّةٍ سوى الاحتفاظ بها لنفسك".
هل هناك أيُّ قصصٍ شهيرةٍ عن الإنقاذ؟
أحَّد الأمثلة الأكثر شهرة هو حكاية السفينة إم إس سي نابولي MSC Napoli.
تقطَّعت السبل بسفينة إم إس سي نابولي قبالة الساحل الإنجليزي الجنوبي. في عام 2007، تمَّ إرساء سفينة الشحن هذه عن قصدٍ على الشاطئ قبالة الساحل الجنوبي لإنجلترا لمنعها من التحطّم أثناء العواصف. وخلال ذلك سقطت منها حوالي 100 حاوية، وجرفتها الأمواج إلى ما يُسمَّى بالساحل الجوراسي، وهو أحَّد مواقع التراث العالمي المسجَّلة لدى الأمم المتحدة.
ذكرت شبكة ABC في ذلك الوقت: "انبهر السكان المحليون في البداية بالحدث، ثم فرحوا وانحدروا نازلين إلى الشاطئ، وتبعهم نابشو الفضلات من جميع أنحاء البلاد، وأمضى الجميع يومَين وليلتَين وهم يقومون بشكلٍ محمومٍ بنهب أيِّ غنيمةٍ يمكنهم وضع أيديهم عليها".
"بسرعةٍ بالغةٍ تمَّت سرقة دراجاتٍ ناريةٍ وقطع غيارٍ للسيارات وملابسَ ومكياجاتٍ وحفّاضاتٍ وحتى كتبٍ مقدّسةٍ مترجمةٍ للغاتٍ أجنبيةٍ، جميعها سُرقت من قبل المتسكّعين على الشواطئ المكشّرين عن أنيابهم في عملية بحثٍ مجنونةٍ عن الغنائم أشبه ما تكون بما كان يحدث في أيام السفن الشراعية والقراصنة."
يقول السيد كافانا لقد كان ذلك "حدثاً استثنائياً بكل المقاييس".
"كلُّ هذه الأشياء الرائعة تماماً سقطت على الشاطئ. وماذا نستطيع أن نقول بخصوص ذلك ... إنه خيطٌ رفيع جداً عندما يكون الفارق الوحيد بين السرقة وبين الإنقاذ هو النيّة."