التحليق فوق الملل: قرن من الابتكار في مجال الترفيه على متن الطائرة

تخيل أنك تحلق عبر السحب في عام 1914، على متن إحدى الرحلات الجوية التجارية البدائية. ملأ هدير المحركات الهواء، بينما تم في الأسفل، تصغير العالم إلى لحاف مرقع من الحقول والأنهار. لكن داخل المقصورة الضيقة، كان الملل هو السائد. ظهرت الرحلات الجوية التجارية في وقت أبكر بكثير من البث الإذاعي التجاري (1920) والتلفزيون (1936)، وعندها فقط أصبح الترفيه على متن الطائرة ممكناً.

هذه هي قصة كيف غزا الترفيه السماء، وحوّل تلك الأنابيب المعدنية المندفعة عبر السحب إلى شرانق مريحة وآسرة حيث أصبح الملل مجرد بقايا من الماضي. اربطوا أحزمة الأمان، لأننا على وشك الشروع في رحلة عبر التاريخ الرائع للترفيه على متن الطائرة، وهي قصة مليئة بالابتكار والمنافسة والسعي الحثيث لجعل تلك الرحلات الطويلة تبدو أقل ارتفاعاً من السماء.

كان الهدف الأصلي المتمثل في جلب الترفيه على متن الطائرة إلى المقصورات هو جذب المزيد من الزبائن، واستجرار الإلهام من مجموعة متنوعة من المصادر، بما في ذلك البيئات المسرحية والإعلامية المحلية. ولم يكن ذلك في البداية من أجل الراحة وسهولة السفر كما هو الحال اليوم.

entry-icon
entry-icon
entry-icon
entry-icon

البدايات المبكرة:

أطلق ظهور الراديو في العشرينيات من القرن الماضي إمكانية الترفيه على متن الطائرة. جربت بعض شركات الطيران المغامرة في إرسال إشارات الراديو إلى الطائرات، وتقديم أخبار بدائية وبث موسيقى.

جرى أيضاً القيام ببعض التجارب الأخرى المثيرة للاهتمام، حيث تم عرض الفيلم للركاب على شاشة معلقة في المقصورة أثناء الرحلة.

فجر الترفيه الحديث:

قدم اختراع التلفزيون مصدراً محتملاً آخر للترفيه على متن الطائرة. ومع ذلك، فإن المعدات الضخمة، وعدم إمكانية البث إلى الطائرات على ارتفاعات عالية حالت دون اعتماده على نطاق واسع.

استمر التقدم التكنولوجي في كل من تقنيات الطائرات والترفيه. وبدأت الطائرات الأكبر حجماً المزودة بإلكترونيات مخصصة على متنها في تجربة مشغلات التسجيل وحتى أنظمة مبكرة لعرض الأفلام، والتي تلبي في المقام الأول احتياجات ركاب الدرجة الأولى.

لم تصبح الأفلام على متن الطائرة سائدة في شركات الطيران إلا في ستينيات القرن الماضي. أصبحت خطوط ترانس وورلد الجوية أول شركة طيران تقدم بانتظام أفلاماً طويلة أثناء الرحلات الجوية، وذلك باستخدام نظام أفلام فريد من نوعه طوره ديفيد فليكسر، رئيس شركة Inflight Motion Pictures آنذاك.

العصر الذهبي للترفيه على متن الطائرة:

أحدث عصر الطائرات النفاثة ثورة في السفر الجوي، حيث جعل الرحلات الجوية أسرع وأكثر راحة. وقد مهد ذلك الطريق لإدخال أنظمة الترفيه المخصصة على متن الطائرة (IFE). بدءاً من عام 1964، تطور الترفيه على متن الطائرة ليشمل أنواعاً مختلفة من الوسائط مثل الأفلام القصيرة والدوائر التلفزيونية المغلقة والموسيقى المسجلة مسبقاً.

غذت المنافسة بين شركات الطيران ابتكارات (IFE). وأصبحت مشغلات الكاسيت، وسماعات الرأس للاستماع الفردي، وفي نهاية المطاف، أجهزة عرض الأفلام المخصصة مع مكتبات الأفلام المنسقة، ميزات قياسية، خاصة في الرحلات الجوية الطويلة. تم إدخال شاشات ظهر المقاعد في عام 1988 على ظهور مقاعد شركات الطيران، ومنذ ذلك الحين تحولت إلى شاشات أكبر في كل خطوط الطيران تقريباً.

الصورة عبر Wikimedia Commons

أصبح العصر الحديث للترفيه على متن الطائرة الذي يضم الأفلام حسب الطلب والبرامج التلفزيونية والمكتبات الموسيقية هو القاعدة. بدأت شركات الطيران في تقديم ألعاب الفيديو والخرائط التفاعلية، وحتى الوصول إلى الإنترنت. شهد القرن الحادي والعشرون تطورات مستمرة مع الشاشات الأكبر حجماً، والمحتوى عالي الوضوح، وخدمات البث المباشر، وحتى تجارب الواقع الافتراضي في بعض الرحلات الجوية.

ومع ذلك، فإن ظهور الأجهزة الشخصية يسمح للركاب باستخدام أجهزة الكمبيوتر المحمولة والأجهزة اللوحية الخاصة بهم للترفيه، مما خفف بطريقة أو بأخرى من احتياجات شركات الطيران التي تقدم المعدات على متن الطائرة خاصة للخطوط الجوية الاقتصادية.

لقد بدأت بمرحلة الفكرة، تليها مرحلة المنافسة، حيث تبنت معظم شركات الطيران شكلاً من أشكالها. تواجه شركات الطيران حالياً تحديات في المرحلة النهائية والحالية من التطور، وتتعامل مع حالات الفشل المرتبطة بعيوب مفهوم الأعمال أو انخفاض الإيرادات.

الصورة عبر unsplash

خلال تطور الترفيه على متن الطائرة، أصبح بمثابة أكثر من مجرد شكل من أشكال الترفيه أو الراحة. كما أصبح الترفيه على متن الطائرة نموذجاً مصغراً للمجتمع العالمي، مع مكتبات أفلام منسقة تعكس أصواتاً متنوعة، وقوائم تشغيل موسيقية تمتد عبر القارات. إنها ليست مجرد أداة تنافسية لإعلانات شركات الطيران، ولكنها أيضاً شكل من أشكال الإنتاج الثقافي.

لم يكن عامل الراحة يتعلق فقط بالإلهاء؛ تشير الدراسات إلى أن الترفيه الجذاب يمكن أن يقلل من القلق والتوتر، وهو أمر حيوي للرحلات الطويلة. أصبح الترفيه على متن الطائرة منصة اقتصادية للمستثمرين ورجال الأعمال والمصنعين ومقدمي الترفيه، وقد أنشأت استوديوهات هوليوود الكبرى "أقساماً لأعمال خاصة بالطائرات" متخصصة في إنتاج الأفلام القصيرة، وتحرير المقاطع الدعائية خصيصاً لاستهلاك شركات الطيران، مما يوفر تدفقاً جديداً للإيرادات والجمهور .

كما أنها تلعب دوراً رئيسياً في تعزيز الثقافة الوطنية لدول لوجهة الوصول. غالباً ما تتميز شركات النقل الوطنية بمحتوى منسق يسلط الضوء على الجوانب والتقاليد والإنجازات الفريدة لبلدها. وتتعاون بعض شركات الطيران مع فنانين وصانعي أفلام محليين لإنشاء محتوى حصري لأنظمة الترفيه والتسلية الخاصة بها، مما يوفر للركاب نافذة على المشهد الثقافي لوجهة الوصول. يمكن أن يكون هذا وسيلة قيمة لدعم المواهب المحلية وتعزيز التبادل الثقافي.

ومع ذلك، فإن تطور الترفيه على متن الطائرة لم يكن خالياً من التحديات. وباعتباره شكلاً من أشكال الإنتاج الثقافي، فإنه غالباً ما يعكس مصالح المعلنين والحكومات والكيانات التجارية. ويترتّب على ذلك أيضاً بيع بعض الأفكار والمنتجات والثقافات للركاب عبر وسائل الترفيه على متن الطائرة. ولم تقتصر الممارسة المربحة المتمثلة في جذب انتباه الركاب وبيعها للمعلنين على الشاشات أيضاً. فقد كانت المجلات على متن الطائرة دائماً مليئة بالإعلانات، وبحلول أواخر الثمانينيات، انتشرت هذه الإعلانات إلى المناديل والقنوات الصوتية.

على الرغم من مزاياه وعيوبه، لا يزال الترفيه على متن الطائرة يوفر للركاب شعوراً بالراحة، ولم يكن عامل الراحة يتعلق فقط بتشتيت الانتباه؛ تشير الدراسات إلى أن الترفيه الجذاب يمكن أن يقلل من القلق والتوتر، وهو أمر حيوي للرحلات الطويلة.

الصورة عبر Wikimedia Commons

يُعدّ مستقبل الترفيه على متن الطائرة موضوعاً رائعاً مليئاً بالإمكانيات والتحديات المثيرة للاهتمام. سيتم قريباً إدخال تجارب غامرة مثل الواقع الافتراضي والواقع المُعزّز إلى IEF إلى جانب المحتوى المخصص. وإن توفر الوصول إلى الإنترنت عالي السرعة على متن الطائرة سيسمح أيضاً بالبث المتواصل ومكالمات الفيديو والألعاب عبر الإنترنت، مما يؤدي إلى عدم وضوح الخطوط الفاصلة بين التجربة على متن الطائرة والتجربة على الأرض.

المزيد من المقالات