إننا نفكر في شرائح اللحم باعتبارها شيئاً نضعه على الشواية حتى ينضج تمامًا. إنها غريزة شبه بديهية، وهي شكل من أشكال الذاكرة التي ورثناها عن أسلافنا، لذين كانوا يشوون كل ليلة لحم صيد اليوم على النار. والواقع أن شرائح اللحم كانت على مدى آلاف السنين من الوجود البشري تمثل ذلك بالضبط: قطعًا سميكة من اللحم تُطهى على النار، وننتظر حتى تصبح القشرة بنّيّة اللون، ويظلّ وسطها طريًا بما يكفي لجعل الفم يسيل لعاباً. ثم جاء الفرنسيون ليضيفوا الأعشاب والزبدة. في هذه المقالة نبيّن قصة شرائح لحم البقر منذ القدم، وكيف جاءت إلى أطباقنا.
بدأت قصة شرائح اللحم منذ نحو 2.5 مليون سنة، عندما بدأ البشر الأوائل في تناول اللحوم ونخاع العظام من جثث الحيوانات الميتة التي قتلها الحيوانات المفترسة. وانتهت القصة في ستينيات القرن التاسع عشر في أحد مطاعم مدينة نيويورك الأمريكية، حيث أضاف شرائح اللحم المشوية إلى قائمة طعامه. ولكنّ تتمّة أحداث القصة تدور على بعد 6000 كيلومترًا من نيويورك، وتحديدًا في باريس، عاصمة فرنسة.
في الماضي، لم تكن المطاعم الباريسية مجرد أماكن لتناول الطعام؛ بل كانت المكان الذي يستمتع فيه السادة من الطبقة الأرستقراطية بحبهم للمذاق اللذيذ، وللمغامرات المحفوفة بالمخاطر بصحبة عشيقاتهم. في منتصف القرن التاسع عشر، رسخت باريس مكانتها كمركز ثقافي في أوروبة، وأصبحت مقاهي الأرصفة مراكز محلية للحياة الفكرية والحوار. وفي خضم صخب العربات التي تجرها الخيول على الطرق المبنية حديثًا، وثرثرة المقاهي الصاخبة، لجأ السادة الباريسيون الأثرياء إلى المطاعم. كان المطعم من الداخل، مقسمًا إلى غرف صغيرة خاصة، تسمى الصالونات الخاصة، حيث كان بإمكان حفنة من الضيوف فقط تناول الطعام في وقت واحد. ويقال إنّ نفقًا كان يربط أحد هذه المطاعم بمجلس الشيوخ الفرنسي، لكي يسمح للسياسيين بالتسلل إلى الداخل والخارج، مخفيين عن أعين الجمهور.
في نهاية المطاف، علمت الزوجات بهذا الخداع. وأدركن أن عشيقات أزواجهن كن يستمتعن بالنبيذ والعشاء في صالونات خاصة فاخرة يأكلن السمك والدجاج المشوي ولحم الضأن المطهو على نار هادئة، فيما كنّ هنّ عالقات في منازلهن يدرنَ شؤون المنزل، فطالبن بمعاملة مماثلة. ولحسن حظ مشهد تناول الطعام في المدينة، تزامنت مطالبهن مع اتجاه مجتمعي في ذلك الوقت، وهو ظهور المطاعم باعتبارها مؤسسات عامة لتناول الطعام، كما نعرفها ونعترف بها اليوم. وبحلول منتصف القرن التاسع عشر، شهد هذا المشهد طفرة؛ فقد ازداد عدد المطاعم في المدينة من 100 مطعم فقط في مطلع القرن التاسع عشر، إلى 3000 مطعم في خمسينياته. ولكن هذا الازدياد لم يكن سوى قمة جبل الجليد، لأن جوهر الطعام الفرنسي كان يتعرض للثورة... من قبل الروس.
لعصور من الزمان، كان الفرنسيون يأكلون وفقًا لتقليد الخدمة على الطريقة الفرنسية، الذي كان ينص على تقديم الأطعمة المالحة والحلوة، وتناولها في الوقت نفسه على مائدة الطعام. ثم ظهر اتجاه جديد من روسية القيصرية، ولفت انتباه الجميع. كانت الخدمة على الطريقة الروسية طريقة جديدة للاستمتاع بالطعام. فبدلاً من تناول كل شيء في وقت واحد، نصت هذه الطريقة على تقديم الأطعمة على التوالي، بدءًا بالوجبات الخفيفة المالحة، وترك الحلويات الأكثر إرضاءً للنهاية. لاقت الخدمة على الطريقة الروسية في البداية رواجًا لأنها كانت أكثر منطقية؛ إذ يمكن طهي عناصر القائمة حسب الطلب، ويمكن تقديم المقبلات والوجبات الرئيسة الدسمة والمعجنات، وتناولها دافئة، بدلاً من أن تبرد أثناء الجلوس على الطاولة. بالنسبة للرواد، فإن الانتظار أيضًا يزيد من التشويق، ويثير الرغبة والترقب، ويصبح تقديم كل عنصر من عناصر القائمة حدثًا صغيرًا في حد ذاته. ولكن السؤال هنا هو: أين شرائح اللحم البقري من كل هذا؟
تزامنت كل هذه الأحداث، إلى حد أو آخر، للسماح لشريحة اللحم البقري، وهي طعام عصري من أمريكة، بغزو المطاعم الباريسيّة. فلو أن الصالونات الخاصة بقيت رائجة، لكان مفهوم مطعم شرائح اللحم البقري على الطريقة الأمريكية في العاصمة الفرنسية غير وارد. ولو أن الخدمة على الطريقة الروسية لم تحلّ محلّ الطريقة الفرنسية، لما كانت شريحة اللحم البقري نفسها لتحظى بنفس الجاذبية، إذ كانت لتظلّ على الطاولات لفترة أطول من اللازم وتؤكل باردة. ومع ذلك، كان أمام شرائح لحم البقر طريق طويل ليقطعه الفرنسيون قبل أن يقعوا في حبها. في ستينيات القرن التاسع عشر، افتُتح العديد من المطاعم، وراحت تقدّم شرائح لحم البقر. كانت شرائح اللحم طريقة جديدة لم يكن من الممكن تصورها من قبل للاستمتاع بالطعام. كان بإمكان رواد المطعم طلب لحم بقري سميك ولذيذ ومقطع بالتساوي وبحجم مناسب ليتم طهيه على الفور من أجلهم، وتقديمه ساخنًا. بالطبع، نظرًا لكون الطهاة الفرنسيين طهاة فرنسيين، كان عليهم إضافة شيء على الشريحة. قطعة من الزبدة، وبعض الأعشاب، والصلصات...
على الرغم من روعة شرائح لحم البقر، إلا أنها كانت باهظة الثمن. بل إنها كانت أغلى أنواع اللحوم على الإطلاق. وهذا ما جعل شرائح اللحم من الكماليات التي تقتصر على الأثرياء والنخب. ولكن سرعان ما دخل طهاة المطاعم الصغيرة في هذا المجال، وظهرت شرائح لحم البقر مع الفلفل على طريقة المطاعم الصغيرة. وهي شرائح لحم مشوية في مقلاة، ومغموسة بصلصة مقلّاة مع الكريمة وبصل مقطع إلى مكعبات، وكمية كافية من حبات الفلفل. إذا كان هناك شيء واحد صحيح عن فنون الطهي، فهو أن الطهي الجيد ينتشر كالنار في الهشيم، مع القليل من الاحترام للطبقات الاجتماعية والتقاليد الإقليمية وحدود البلاد. وبهذا الشكل، تحولت وجبة الأغنياء اللذيذة إلى بروتين للجماهير.
تتبعنا تطور المطاعم الباريسية من صالونات خاصة إلى مؤسسات عامة، ورأينا كيف أفسحت الخدمة على الطريقة الفرنسية الطريق للخدمة على الطريقة الروسية، وكيف هيأ هذا التحول مائدة العشاء الفرنسية للتغيير. وكيف بدأ الفرنسيين في دهن شرائح اللحم بالزبدة ونقعها بالأعشاب. وأخيرًا، شهدنا كيف تغيرت شرائح اللحم نفسها من شرائح لحم صغيرة للسياسيين والنخب، إلى شرائح لحم بالفلفل للمواطن العادي.
المغرب يوسع مطاراته لمواكبة النمو
حمزه
فاعليات الاحتفال باليوم الوطني واليوم التأسيسي للسعودية
نهى موسى
تسخير الدوران: كيف دحض العلماء أعمالهم من خلال إنتاج الطاقة من دوران الأرض
جمال المصري
تعلم اللغة الصينية للمتحدثين الأصليين باللغة العربية
عبد الله المقدسي
الرؤى المتضاربة لإيلون ماسك وجيف بيزوس بشأن الفضاء
عبد الله المقدسي
التنمية البشرية :5 كتب لا تفوتها لتحقيق التنمية الذاتية
نهى موسى
كيف ألهمت أشعار محمود درويش الخالدة الفنانين العرب
شيماء محمود
أحدث التطبيقات والألعاب في الخليج
حمزه
الأجبان : تحضيرها في المنزل بوصفات بسيطة
نهى موسى
الرياح الكثيفة الدوامية تساعد الثقوب السوداء الهائلة على النمو
عبد الله المقدسي
لماذا يصاب الناس بالاكتئاب؟ فهم تعقيد الاكتئاب والحزن
جمال المصري
محمود ياسين: أيقونة السينما المصرية ورمز الشاشة الذهبية
حكيم مرعشلي
كتف خروف مطهو ببطء لوجبة رمضانية فاخرة: استكشاف طهي وثقافي
جمال المصري
تيسمسيلت: استكشف سحر الطبيعة في قلب الجزائر
ياسر السايح
الأدوية المحظورة في العالم العربي: اللوائح في الإمارات العربية المتحدة والمغرب والمملكة العربية السعودية
جمال المصري
دليلك لزيارة جواردا البرتغالية: مدينة الحصون والمناظر الخلابة
ياسر السايح
10 فروق كبيرة بين الولايات المتحدة وألمانيا ستجعلك تبتسم
عبد الله المقدسي
استكشف ليريا: وجهة ساحرة تجمع بين التاريخ والطبيعة في البرتغال
ياسر السايح
الزعتر: فوائده وأشهر وصفاته
نهى موسى
الخيام البدوية تحافظ على التقاليد مع لمسة عصرية
شيماء محمود
استكشاف الحاجز المرجاني العظيم: دليل الغواصين إلى عالم تحت الماء في أستراليا
ياسر السايح
توفالو: جنة المحيط الهادئ غير المكتشفة
ياسر السايح
تنبؤ ستيفن هوكينغ بـ "نهاية العالم": هل هي أقرب مما نعتقد؟
شيماء محمود
كرة القدم في العالم العربي: أبرز اللاعبين، التاريخ والإنجازات
شيماء محمود
لبدة الكبرى: أسطورة رومانية تعود للحياة على ضفاف البحر الليبي
إسلام المنشاوي
الجمل العربي - ما هي السمات المميزة التي تجعله فريدًا من نوعه؟
شيماء محمود
نصائح للآباء والأمهات: عادات لا يعرف الآباء أن أطفالهم يراقبونها عن كثب (ويتبعونها سراً)
لينا عشماوي
7 عبارات يميل الأشخاص المملون إلى استخدامها في المحادثات
لينا عشماوي
خريطة العمارة السعودية تفك شيفرة فن التكيف في منطقة عسير
شيماء محمود
بعيدًا عن المسار المطروق في جمهورية توفا
عبد الله المقدسي