أسرار لوحة القبة السماوية المسروقة من معبد دندرة

مصر مستودع تاريخ البشر وفيها من الأسرارٍ ما حيّر العلماء على مرّ التاريخ، اليوم نحكي لكم قصة لوحة معبد دندرة أو ما يعرف باسم " لوحة القبة السماوية".

الحملة الفرنسية على مصر ووصول العلماء الفرنسيين إلى معبد دندرة

في عام 1799، بدأ نابليون وجيوشه في توسيع وجودهم في جميع أنحاء مصر. لم يجلب نابليون الجيوش فحسب، بل جلب الفنانين لتسجيل رسومات استنتاجاته لبلد كان يعتبر غريبًا وخارج القاعدة من الثقافة الأوروبية التقليدية. كان أحد الفنانين المعينين، “دومينيك ڤيڤان دينون” مفتونًا بلوحةٍ دائريّةٍ تم نحتها في سقف معبد "حتحور" المعروف باسم معبد "دندرة" الواقع في قرية دندرة التي تقع 55 كيلومترًا شمال الأقصر على شاطئ النيل الشرقي والغربي ، مقابلة مدينة قنا. بعد رسم الأبراج الدائرية بدقة، عاد "دينون" إلى باريس ونشر النتائج التي توصل إليها علنًا. نُشر تقريره في عمل أصبح شائعًا بشكل كبير في إنجلترا وفرنسا، حيث بدا أن الجميع متعطش لمزيد من المعرفة حول هذا التصميم الدائري الغريب في معبد دندرة.

entry-icon
entry-icon
entry-icon
entry-icon

الاكتشاف المذهل لمحتوى لوحة القبة السماوية في سقف معبد دندرة

الصورة عبر wikimedia

عندما اطّلع العلماء الأثريون الفرنسيون على رسم لوحة سقف معبد دندرة التي رسما "دينون" جًنّ جنونهم لأنهم أدركوا أن محتويات تلك اللوحة هي عبارة عن تسجيل لأحداثٍ فلكيّةٍ، وسرعان ما بدأ التحقيق في ماهية تلك الأحداث الفلكية وبدأ التحقيق في العثور على التواريخ والأوقات الدقيقة للأحداث السماوية المصورة داخلها. اختلف العلماء اختلافاً شديداً في تحديد عمر الأحداث المسجلة، وتراوحت الأعمار المقترحة ما بين 2200 إلى أكثر من 36 ألف سنة.

قاد الفيزيائيان "جوزيف فورييه" و "جان بابتيست بيوت" إلى جانب عالم الفلك "يوهان كارل بوركهارت" التحقيق في لوحة دندرة، لكنهما شعرا بالحيرة من الأبراج التي تم تصويرها في اللوحة. هل كانت حسابات فلكية فعلية تصور حركات النجوم، أم أنها مجرد تمثيلات رمزية ؟ وكانت تلك هي لحظة بداية فرنسا في دراستها لعلم الفلك الأثري، وقرر الفرنسيون التخطيط لسرقة اللوحة الأصلية بأي ثمن.

سرقة اللوحة الأصلية من سقف معبد دندرة

كلف "سيباستيان لويس سولنييه"الذي كان يعمل كتاجر تحف، "كلود ليلورين" بإزالة لوحة القبة السماوية الدائرية بالمناشير والرافعات والبارود. وفي عام 1821 تم نقل اللوحة إلى متحف باريس، وبحلول عام 1822، تمت إعادة تركيب أجزائها بواسطة مكتبة لويس الثامن عشر (تسمى لاحقًا المكتبة الوطنية في المكتبة الملكية. في عام 1922 تم نقل لوحة معبد دندرة من هناك إلى متحف اللوفر. في عام 2022، بدأ عالم المصريات "زاهي حواس" في التقدم بطلب لإعادة اللوحة إلى مصر، إلى جانب حجر رشيد وقطع أثرية أخرى.

التقويم المُسجّل في لوحة دندرة يحيّر العلماء الفرنسيين

الصورة عبر Wikimedia Commons

إن لوحة القبة السماوية بمعبد دندرة هي اللوحة الدائرية الوحيدة لعلم الفلك التي تم اكتشافها في العصور المصرية القديمة، حيث أن كل الآثار الفلكية المصرية الأخرى إما مربعة أو هرمية في الشكل والتصميم. تحتوي لوحة دندرة على تقويم مكوّنٍ من 360 يومًا من السنة المصرية، مع ترتيب ستة وثلاثين مجموعة نجمية بطريقة دائرية. تمثل كل مجموعة نجمية ثلث مدة كوكبة البروج. وكل ثلاث مجموعات نجمية لها اثنا عشر علامة ، يعني كلّا منها ستة وثلاثين مجموعة نجمية في المجموع. ولكي تستوعب عزيزي القارئ مدى أهمية ذلك الاكتشاف يكفيك أن تعرف أن الإنسان لم يكن يعلم في السماء أكثر من 20 مجموعة نجمية في ذلك الوقت، مما يعني أن تلك اللوحة تحتوي على معلومات فلكية متطورة لم يكن يعلمها العلماء.

شامبليون وجيرالد ولوحة معبد دندرة

من العلماء الذين أبدوا اهتماماً شديدا بتلك اللوحة كان العالم الشهير " شامبليون" الذي فك ألغاز حجر رشيد، حيث كتب مقالةً أثارت ضجةً حين قال أن تلك اللوحة ستجعلنا نعيد كتابة التاريخ بأكلمه، حيث أنها لوحة دينية تحكي أحداثًا هامة بالنسبة للمصريين القدماء، لكن تمكَّن عالم المصريات الإنجليزي الشهير "جيرالد ماسي" من التوفيق بين كل من علامات البروج الغربية التقليدية مع نظيره المصري. بالنظر إلى "زودياك دندرة"، يتوافق كبش برج الحمل مع الإله آمون ذو رأس الكبش، كما يتوافق برج الثور مع أوزوريس، الذي يشار إليه أحيانًا باسم «ثور الخلود»، بينما يُشار إلى سمكتي الحوت بتمساحين يسبحان في اتجاهين متعاكسين. لكل كوكبة في الأبراج الغربية التقليدية، هناك مكافئ مصري له نفس الرمزية ؛ تتراوح من خنوم الماعز بنفس خصائص الجدي، إلى أتوم، الإله ذو رأس الأسد الذي يشبه الأسد. صورة "إيزيس" وهي تحمل حورس بين ذراعيها مرادفة لكوكبة العذراء، وتشبه صورة مريم العذراء وهي تحمل المسيح عليه السلام.

أهمية لوحة القبة السماوية بمعبد دندرة

الصورة عبر pexels

ولا يزال السؤال الهام قائما ؛ ما الذي كان من المفترض أن تنقله هذه الرموز؟ وما هي أهميتها للمصريين القدماء؟ بالنسبة للمصريين، تتوافق كل علامة برج مع موسم من السنة يعتقد أن إلهًا معينًا يحكمه. كانت خنفساء الجعران التي تشير إلى السرطان رمزًا للصيف، في حين أن مقاييس الميزان تشير إلى الاعتدال الخريفي. قد تلاحظ أنه على الرغم من ظهور جميع الأبراج الاثني عشر في "زودياك دندرة" ، إلا أن مواضع بعضها مشوهة ومنحرفة إلى حد ما. يبدو أن سلطعون السرطان قد تم وضعه عمدًا باتجاه مركز اللوحة، مما أدى إلى تكوين شبيه حلزوني للبرج. ومن غير المؤكد سبب إدراج هذا الاختيار في التصميم ؛ ربما كان لشهر السرطان أهمية خاصة ( ما زال ذلك غامضًا حتى الآن).

بالنسبة للمصريين، كان لكل موسم تأثير فريد على مرور الأيام ضمن تقويم 360 يومًا. لم يتم قياس ساعات اليوم بطريقة ثابتة، ولكنها كانت عرضة للتغيير من موسم إلى آخر. كما صورت البروج حركة نجم الشعرى ، كان ذلك النجم ذا أهمية قصوى عند المصريين القدماء كان نجم الشعرى يرتفع من الأفق بداية العام الجديد، ولكن هذا التاريخ سيتغير بمقدار ثمانية أيام ونصف كل ألف عام. أعطيت علامة برج الدلو أهمية كبيرة، لأنها تمثل علامة الغمر، مما يدل على وقت الفيضان. سيستخدم المصريون نجم الشعرى كعلامة للإشارة إلى موعد حدوث فيضان النيل السنوي، فيما نسميه الآن شهر يونيو.

ما زال هناك العديد من الأسرار الكامنة في الآثار المصرية القديمة ومازال المصريون يحاولون استعادة ما تم سرقته من آثارهم التي ليس لها مثيل ولا تقدَّر بثمن.

المزيد من المقالات