العيون: أكبر مدن الصحراء الغربية وأهمها

ADVERTISEMENT

تُعد مدينة العيون واحدة من أكثر المدن إثارةً للاهتمام في شمال إفريقيا، ليس فقط لحجمها أو موقعها الجغرافي، بل أيضًا لمكانتها السياسية في النزاع المستمر حول الصحراء الغربية. تأسست المدينة في العام 1938 من قبل السلطات الإسبانية خلال فترة الاستعمار، وسرعان ما تطورت لتُصبح المركز الإداري الأهم في المنطقة. اليوم، تُعتبر العيون أكبر مدينة في الصحراء الغربية، ويُقدر عدد سكانها حسب إحصائيات عام 2023 بأكثر من 271,000 نسمة، وفقًا لـويكيبيديا.

تقع العيون شمال الصحراء الغربية، بالقرب من المحيط الأطلسي، وتخضع حاليًا لإدارة المملكة المغربية التي تعتبرها جزءًا لا يتجزأ من أقاليمها الجنوبية. في المقابل، ترفض جبهة البوليساريو هذا الوضع وتطالب بإقامة دولة مستقلة، مما يجعل المدينة محورًا سياسياً بالغ الأهمية في النزاع الإقليمي المستمر منذ عقود.

ADVERTISEMENT

في هذا المقال، نستعرض واقع مدينة العيون من حيث النشأة، التطور العمراني، البنية التحتية، التركيبة السكانية، والدور السياسي، ونناقش كيف أصبحت المدينة اليوم رمزًا للتنمية المتسارعة من جهة، وصراع الهوية والسيادة من جهة أخرى.

النشأة والتاريخ: من نقطة عسكرية إلى مركز حضري

تعود بدايات مدينة العيون إلى عام 1938 عندما أنشأتها سلطات الاستعمار الإسباني كنقطة مراقبة عسكرية بالقرب من وادي الساقية الحمراء. ومع الوقت، تطورت هذه النقطة لتُصبح مركزًا إداريًا متكاملًا، خصوصًا بعد أن أصبحت العيون العاصمة الفعلية لإقليم الصحراء الغربية تحت الحكم الإسباني. بحسب ما ورد في بريتانيكا، استخدمت القوات الإسبانية العيون كقاعدة لوجستية مهمة لدعم عملياتها في المنطقة.

بعد انسحاب إسبانيا عام 1975، أصبحت المدينة نقطة محورية في النزاع بين المغرب وجبهة البوليساريو. دخلت القوات المغربية العيون في سياق “المسيرة الخضراء”، ومنذ ذلك الحين بدأت المدينة بالتوسع والتطور تحت الإدارة المغربية. ومنذ الثمانينات، استثمرت الدولة المغربية بشكل كبير في البنية التحتية للمدينة، بما في ذلك الطرق، والمطارات، والمؤسسات الحكومية.

ADVERTISEMENT

العيون ليست فقط مركزًا إداريًا، بل أصبحت أيضًا رمزًا سياسيًا للنزاع حول السيادة على الصحراء الغربية. فبينما تعتبرها الرباط جزءًا من أراضيها، ترى فيها جبهة البوليساريو عاصمة محتملة لدولتها المنشودة.

بواسطة Bjørn Christian Tørrissen على Wiki

صورة بانورامية لمدينة العيون تُظهر تطورها العمراني

التركيبة السكانية والثقافية

العيون مدينة ذات طابع سكاني متنوع، إذ تضم خليطاً من الصحراويين الأصليين، والوافدين من مختلف مناطق المغرب، والعاملين في القطاعين العام والخاص. هذا التنوع السكاني ساهم في تشكيل فسيفساء ثقافية تعكس تعدد الهويات والانتماءات في المدينة.
وفقاً لإحصاءات عام 2023، تجاوز عدد سكان العيون 271 ألف نسمة، ما يجعلها أكبر مدينة في إقليم الصحراء الغربية من حيث عدد السكان. ويُلاحظ في المدينة وجود مزيج لغوي يضم اللهجة الحسانية إلى جانب الدارجة المغربية، كما تتعايش فيها تقاليد الصحراويين مع أنماط الحياة الحضرية.

ADVERTISEMENT

تُقام في المدينة فعاليات ثقافية متعددة تعكس هذا التنوع، مثل مهرجانات الموسيقى الحسانية والأمسيات الشعرية، مما يجعلها مركزاً للهوية الثقافية الصحراوية. كما لعبت المؤسسات التعليمية والثقافية دوراً في تعزيز وعي السكان بتاريخهم وموقعهم في السياق الإقليمي.

بواسطة ZAINEB HACHAMI على Wiki

ساحة المشور في قلب العيون: مزيج بين الحداثة والهوية الصحراوية

التنمية والبنية التحتية

على الرغم من السياق السياسي الحساس الذي يحيط بمدينة العيون، إلا أن المدينة شهدت طفرة تنموية ملحوظة خلال العقود الأخيرة. استثمرت الدولة المغربية مليارات الدراهم في مشروعات البنية التحتية، مثل تطوير مطار الحسن الأول، وتوسعة الميناء، وإنشاء شبكات طرق حديثة تربط العيون بباقي مدن الجنوب المغربي.
إلى جانب ذلك، تم بناء مستشفيات ومدارس وجامعات ومجمعات سكنية حديثة، ما جعل المدينة مقصداً للعديد من السكان الباحثين عن فرص عمل أو جودة حياة أفضل. يُنظر إلى هذه الاستثمارات كجزء من جهود المغرب لإدماج الأقاليم الجنوبية في الاقتصاد الوطني وتعزيز الاستقرار في المنطقة.

ADVERTISEMENT

كما تم تدشين مناطق صناعية وخدماتية جديدة، مما ساهم في خلق فرص عمل وتحفيز النشاط الاقتصادي المحلي. ويُلاحظ تحسن في خدمات المياه والكهرباء والاتصالات، مما جعل العيون مدينة متكاملة من حيث الخدمات والبنية الأساسية.

بواسطة Nassima Chahboun على Wiki

شارع حديث في العيون يُبرز مظاهر التنمية والتحديث

الدور السياسي والإقليمي

تلعب العيون دورًا محوريًا في النزاع السياسي حول الصحراء الغربية، حيث تُعد من أبرز نقاط التوتر بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من بعض الأطراف الإقليمية. المغرب يعتبر المدينة عاصمة لأقاليمه الجنوبية، ويُعزز هذا التصور من خلال الحضور الإداري والسياسي الكثيف فيها، كما تحتضن مقرات لمؤسسات حكومية إقليمية ومحاكم وإدارات مركزية.

في المقابل، ترى البوليساريو أن العيون مدينة تحت الاحتلال، وتُطالب بانسحاب المغرب منها في إطار تسوية شاملة للنزاع. وبين هذين الموقفين، تبقى المدينة في قلب كل مباحثات الأمم المتحدة المتعلقة بحل قضية الصحراء الغربية.

ADVERTISEMENT

ورغم هذه الخلافات، فإن العيون تُستخدم أحيانًا كبوابة للحوار والتقارب، خاصة في البرامج التنموية المدعومة دولياً، والتي تهدف إلى تحسين حياة السكان المحليين بعيدًا عن الحسابات السياسية.

بواسطة Anass Sedrati على Wiki

مطار العيون الحسن الأول

العيون ليست مجرد أكبر مدينة في الصحراء الغربية، بل هي مرآة تعكس التعقيد السياسي والاجتماعي والثقافي الذي يحيط بهذه المنطقة المتنازع عليها. فمنذ نشأتها في ظل الاستعمار الإسباني، مرورًا بالتحولات الكبرى بعد دخولها تحت الإدارة المغربية، وصولاً إلى الحاضر، لعبت العيون دوراً أساسياً في تشكيل وجه الصحراء الغربية.
المدينة تمثل في آنٍ واحد مركزًا حضريًا حديثًا يشهد تنمية متسارعة، ومنصة سياسية تتجاذبها رؤيتان متعارضتان حول السيادة والانتماء. وعلى الرغم من الخلافات السياسية، فإن سكان العيون يعيشون واقعاً يومياً متشابكاً، يجمع بين الطموحات التنموية، والهوية الثقافية، والتحديات الإقليمية.

ADVERTISEMENT

إن مستقبل العيون لا يتوقف فقط على السياسات المحلية أو المبادرات التنموية، بل يعتمد بشكل كبير على التوافق السياسي الذي قد يأتي يومًا ما ليُنهي الصراع المستمر منذ عقود. وفي انتظار ذلك، تظل المدينة رمزاً للصمود والعيش المشترك، وتأكيدًا على قدرة الإنسان على التكيف والبناء، مهما كانت الظروف.

أكثر المقالات

toTop