كيف أدت تجربة فاشلة إلى الثورة الكبيرة الأولى لأينشتاين

تخيّل أنك تعيش في أواخر القرن التاسع عشر، وتفكر في واحدة من أهم الظواهر الفيزيائية في الكون: الضوء. هناك عدد من الأشياء التي نعتبرها اليوم أمرًا مسلمًا به، كانت معروفة بالفعل عن الضوء. كنا نعلم مثلًا أن الضوء يتحرك بسرعة 300000 كم / ثانية تقريبًا، ويُظهر سلوكيات تشبه الموجة مثل التداخل والانعراج، وأنه موجة كهرومغناطيسيّة، أي حقلان كهربائي ومغناطيسي مهتزّان. ومثله مثل جميع الموجات المعروفة، فإنه يحتاج وسطًا مادّيًا للانتشار عبره، تمامًا كما موجات الماء تحتاج الماء، وكما الموجات الزلزالية تحتاج الأرض، والموجات الصوتية تحتاج وسطًا للانتشار. كان من المفترض أن الضوء له وسط أيضًا، يُعرف باسم الأثير المضيء. ولكنّ خصائص الأثير كانت مجهولة ويصعب اكتشافها؛ فهو ليس وسطًا عاديًا، نظرًا إلى أنّ الضوء ينتشر عبر الخلاء، كالخلاء الذي يفصل الأرض عن الشمس.

في ثمانينيات القرن التاسع عشر، ابتكر ألبرت أبراهام مايكلسون طريقة لكشف وقياس تأثيرات الأثير. وقد أدى فشل التجربة التي تعرف باسم تجربة مايكلسون-مورلي إلى أكبر ثورة في تاريخ العلم.

قانون تركيب السرعات:

منذ زمن غاليليه، نعرف كيف تُجمع السرعات في حالة الأجسام التقليدية العادية منخفضة السرعة. عندما تسبح سمكة في نهر، على سبيل المثال، فسوف تستغرق زمنًا مختلفًا فيما لو قطعت مسافة معينة عكس التيار وعادت مع التيار إلى نقطة انطلاقها، مقارنة بقطع المسافة نفسها عموديًا على التيار والعودة مرة أخرى إلى نقطة انطلاقها، وذلك بسبب تأثيرات تيار النهر عليها. في حين أنه إذا كانت السمكة تسبح في مياه ساكنة، فإن هذين الزمنين سيكونان متساويين. أي إن الاتجاه الذي تسبح فيه السمكة لا يهم على الإطلاق.

entry-icon
entry-icon
entry-icon
entry-icon

جهاز تداخل مايكلسون:

الصورة عبر Wikimedia Commons

قرر مايكلسون استخدام طريقة مشابهة لاختبار سلوك الضوء أثناء انتقاله عبر الأثير المزعوم. ليس لدينا "نهر" يعمل كوسيط ينتقل من خلاله الضوء، لأن الضوء يسافر ببساطة عبر الفضاء. ولكنّ لدينا شيئًا مثل الطوّافة فوق ذلك النهر: كوكب الأرض، الذي يدور حول الشمس بسرعة متوسطة تبلغ حوالي 30 كم / ثانية.

كانت فكرة مايكلسون هي إرسال شعاعين من الضوء في اتجاهين متعامدين، كما لو كانا سمكتين تسبحان في نهر: أحد الشعاعين يذهب عكس "التيار" ثم يعود إلى نقطة انطلاقه بعد انعكاسه عن مرآة، والآخر يعبر "النهر" عرضيًا ثم يعود إلى نقطة انطلاقه أيضًا بعد انعكاسه عن مرآة. التيار هنا ينشأ ــــــ أو يُفترض أن ينشأ ــــــ عن حركة الأرض عبر الأثير. وعندما يعود هذان الشعاعان المنفصلان من الضوء إلى نقطة البداية، نعيد دمجهما لمعرفة ما إذا كان هناك أي فرق في المسير الضوئي بينهما ولو كان ضئيلًا، وهو ما من شأنه أن ينتج نمط تداخل.

الصورة عبر Wikimedia Commons

وكما تصور مايكلسون، فإذا كان الجهاز ثابتاً تماماً بالنسبة للأثير، فإن الضوء المنبعث من الشعاعين سوف يقطع المسافة المقطوعة في الزمن نفسه. وعندما يُدمج هذان الشعاعان من جديد، لن نلاحظ أيّ تغيّر في نمط التداخل. ولكن، إذا كان الجهاز في حركة بالنسبة للأثير بسبب حركة الأرض حول الشمس، على غرار الطريقة التي تتحرك بها الطوافة العائمة فوق نهر بسبب التيار تحتها، فإن الضوء سوف يستغرق وقتاً أطول لقطع الاتجاه الذي يتحرك مع الأثير مقارنة بالاتجاه الذي يتحرك عمودياً عليه وهذا هو الاختبار الحاسم.

نتيجة سلبية:

الصورة عبر Wikimedia Commons

قام مايكلسون، وعلى مرحلتين، بإنشاء مقياس تداخل بالتعاون مع إدوارد مورلي. وقام الاثنان بإعداد وتنفيذ العديد من التحسينات على هذه التجربة. وبحلول عامي 1887 و1888، كانا قد صنعا مقياس تداخل يمكن تدويره على منصة بأية زاوية يريدانها في أي وقت من اليوم، وفي أي وقت من السنة. ولم يحصلا على أي اختلاف في فرق المسير ــــــ ومن ثمّ اختلاف في سرعة الضوء ــــــ بين الاتّجاهين وذلك أيّاً كان الوقت من اليوم، وأيّاً كان الوقت من السنة. وبهذه النتيجة السلبية لم يتمكّنا من إظهار وجود الأثير.

ولكن تجربة مايكلسون - مورلي لم تؤدّ إلى رفض الأثير على الفور. فقد زعم البعض أن الأثير كان "يُجرّ" مع الأرض، ما يعني أن الأرض لابد وأن تكون في حركة مشتركة مع الأثير. ولكن سرعان ما تبين خطأ هذا الزعم، حيث استبعدت ظاهرة الانحراف النجمي المرصودة وتجربة فيزو التي أجريت سابقاً فرضية جرّ الأثير. وكانت المحاولة التالية لتفسير ملاحظات مايكلسون - مورلي من قِبَل جورج فيتزجيرالد وهندريك لورنتز، اللذين اقترحا أنه عندما تتحرك الأجسام بسرعة قريبة من سرعة الضوء، فإنها تتعرض لتقلّص الأطوال في اتجاه الحركة. وبتقلص الطول الذي يتعرض له الضوء الذي يتحرك مع مدار الأرض، يمكن التنبؤ بنتيجة سلبية مرة أخرى، وبالتالي إنقاذ فرضية الأثير إذا أصر المرء عليها.

النسبية الخاصة:

الصورة عبر Wikimedia Commons

في الواقع بقيت فرضيّة الأثير حتى عام 1905، حين قام فيزيائي شاب يدعى ألبرت أينشتاين بحلّ اللغز أخيرًا. وكان حلّه يلغي وجود الأثير إلغاء كاملاً، فقد اتخذ أينشتاين بدلاً من الاعتماد على الأثير نهجًا جديدًا تمامًا، وذلك من خلال النظر في إمكانية أن تكون الكمية الثابتة الحقيقية في الطبيعة هي في الواقع سرعة الضوء. وبعبارة أخرى، فإن مسألة ما إذا كان الأثير ثابتًا بالنسبة للشمس، أو يُجرّ مع الأرض، أو يُجرّ بطريقة أكثر تعقيدًا كما اقترح لورنتز، يمكن التخلص منها كلها فيما إذا افترضنا بدلاً من ذلك أنه لا يوجد وسط ضروري لانتشار الضوء عبره؛ وأن الخلاء سيكون كافيًا لانتشار الضوء. كانت المشكلة الوحيدة هي أنه لا المكان، ولا الزمان، ولا الحركة ستكون مطلقة، بل يجب على جميع المراقبين أن يتفقوا على أن سرعة الضوء هي المقدار الثابت الوحيد.

وهكذا نشأت النظرية النسبية الخاصة.

الخاتمة:

على الرغم من نتيجتها السلبية لا تزال تجربة مايكلسون - مورلي، حتى اليوم، إحدى التجارب الأكثر تأثيراً على المستوى العلمي في تاريخ العلم. وقد انعكس هذا في عام 1907، عندما مُنِح مايكلسون جائزة نوبل في الفيزياء، وذلك "لأدواته البصرية الدقيقة والدراسات الطيفية التي أجريت بمساعدتها". علمًا بأن النسبية الخاصة لأينشتاين لم تُجزَ بجائزة نوبل.

المزيد من المقالات