طرطوس وجزيرة أرواد: كنوز الساحل السوري وحصن الجزيرة التاريخي

ADVERTISEMENT

تقع مدينة طرطوس على الساحل الغربي للجمهورية العربية السورية، وتُعدّ ثاني أكبر مدينة ساحلية بعد اللاذقية، وتتميز بجمالها الطبيعي وسحرها التاريخي الذي يمتد لآلاف السنين. تعتبر طرطوس اليوم وجهة سياحية مهمة لما تضمه من معالم أثرية، وجزر بحرية، وشواطئ خلابة، وأسواق شعبية نابضة بالحياة.

تصوير تاراس كالابون - المصدر : ويكيبيديا

سبب تسمية طرطوس بهذا الاسم

تعود تسمية مدينة طرطوس إلى اسمها الفينيقي الأصلي "أنترادوس" (Antaradus)، والذي يعني "المدينة المقابلة" في إشارة إلى موقعها الجغرافي المقابل لجزيرة أرواد. وقد أُطلق عليها هذا الاسم في العصور القديمة تمييزًا لها عن الجزيرة، حيث كانت بمثابة الميناء الرئيسي والامتداد البري لمدينة أرواد البحرية. لاحقًا، تطوّر الاسم عبر العصور البيزنطية والرومانية ليصبح"Tortosa"، ثم عُرب لاحقًا إلى "طرطوس" كما هو متداول اليوم.

ADVERTISEMENT

العصر الذهبي لمدينة طرطوس

عرفت مدينة طرطوس أوج ازدهارها خلال عدة مراحل تاريخية، أبرزها الحقبة البيزنطية والصراعات الصليبية. ففي العصر البيزنطي، ازدهرت المدينة كمركز ديني وتجاري، وتم تشييد العديد من الكنائس والمعابد فيها. أما خلال فترة الحملات الصليبية، فقد اكتسبت طرطوس أهمية استراتيجية كبيرة، حيث أنشأ فرسان الهيكل فيها واحدة من أبرز قلاعهم في الشرق، وأقاموا الكاتدرائية الكبرى التي لا تزال قائمة حتى اليوم.

كما شهدت المدينة انتعاشًا اقتصاديًا وثقافيًا في العهد الإسلامي، خاصة في ظل الدولة الأيوبية والمملوكية، حيث تم تطوير الميناء وتعزيز الحركة التجارية بين طرطوس والمدن الساحلية المجاورة.

أهم المعالم السياحية لمدينة طرطوس

كاتدرائية سيدة طرطوس في قلب المدينة

واحدة من أبرز المعالم الأثرية في طرطوس هي كاتدرائية "سيدة طرطوس"، والتي تعتبر من أجمل وأهم المعالم الأثرية التي ترجع إلى عصر الممالك الصليبية. بُنيت هذه الكاتدرائية في القرن الثاني عشر على يد فرسان الهيكل، وكانت تُستخدم كمركز ديني وعسكري في آنٍ واحد.

ADVERTISEMENT

تتميز الكاتدرائية بطرازها المعماري الروماني-القوطي، وبجدرانها السميكة التي تعكس الطابع الحربي للحقبة الصليبية. بعد تحرير المدينة من الصليبيين على يد السلطان الظاهر بيبرس، تم تحويل الكاتدرائية إلى مسجد لفترة من الزمن، ثم إلى متحف لاحقًا، وهي اليوم تُعد من أبرز المعالم السياحية التي يقصدها الزوار لاكتشاف عراقة المدينة.

تصوير ألان إشتوكوفيتش - المصدر: ويكيبيديا

المدينة القديمة في طرطوس

تُعدّ المدينة القديمة في طرطوس من أروع الأماكن التي تعكس الطابع التاريخي والحضاري للمدينة، حيث تمتزج الأزقة الضيقة المرصوفة بالحجارة مع البيوت القديمة المبنية من الحجر الكلسي الأبيض، ما يمنحها طابعًا ساحرًا يشبه اللوحات الفنية. تتوسط المدينة أسواق شعبية تقليدية مثل سوق "الشارع العام"، الذي يعج بالحركة، وتُباع فيه المنتجات اليدوية، التوابل، الأقمشة، والملابس التقليدية. تتوزع داخل المدينة العديد من الكنائس والمساجد القديمة، ما يعكس التعايش الديني الغني الذي ميّز المدينة عبر العصور. زيارة هذه المدينة تُعد تجربة غنية لعشاق التاريخ والتراث، خاصة في المساء حين تنبض الشوارع بالحياة والألوان والروائح الزكية.

ADVERTISEMENT

أسوار طرطوس القديمة

تحيط أجزاء من المدينة القديمة في طرطوس بأسوار حجرية ضخمة تعود إلى زمن الحملات الصليبية، حين كانت المدينة موقعًا استراتيجيًا بالغ الأهمية. شُيّدت هذه الأسوار لأغراض دفاعية، ولا تزال قائمة في أماكن متفرقة من المدينة، ويمكن رؤية الأبراج والنوافذ الحربية التي كانت تُستخدم للمراقبة والرماية. تعكس هذه الأسوار فنون العمارة العسكرية الصليبية، وتُظهر مدى التحصينات التي اعتمدها الفرسان لحماية المدينة من الغزوات. ينجذب الزوار إلى هذه المواقع للاستمتاع بمشهدها الفريد والتقاط الصور، وهي تُعدّ من أهم الشواهد الملموسة على تاريخ طرطوس الغني ودورها البارز في الحروب الصليبية.

ميناء طرطوس

يُعتبر ميناء طرطوس واحدًا من أقدم الموانئ في سوريا وشرق المتوسط، إذ استخدمه الفينيقيون في رحلاتهم التجارية والاستكشافية، وازدهر لاحقًا في العصور الرومانية والعربية. كان الميناء مركزًا حيويًا للتجارة البحرية، وتوسّع مع مرور الزمن ليواكب الاحتياجات الحديثة، دون أن يفقد طابعه التاريخي. اليوم، لا يزال الميناء نشطًا، حيث تُقام فيه رحلات بحرية إلى جزيرة أرواد، كما يُستخدم لاستيراد وتصدير البضائع. بجانب الميناء، تنتشر المطاعم والمقاهي المطلة على البحر، ما يجعله مكانًا جذابًا للزوار والسكان المحليين على حد سواء، للاستمتاع بجمال البحر والنشاط الملاحي اليومي.

ADVERTISEMENT

شاطئ طرطوس

يمتد شاطئ طرطوس على طول الساحل الغربي، ويُعد من أجمل الشواطئ السورية وأكثرها جذبًا للسياح، حيث يتميز برماله الناعمة الذهبية ومياهه الهادئة الصافية. تحيط بالشاطئ العديد من المنتجعات والفنادق والمطاعم البحرية التي تقدم أشهى أطباق السمك الطازج والمأكولات المحلية. يُعتبر الشاطئ مثاليًا للسباحة، وخاصة للعائلات، نظرًا لعمقه التدريجي وأمانه. كما يُستخدم لممارسة رياضات بحرية مثل التزلج على الماء وركوب القوارب. في المساء، يتحول الشاطئ إلى وجهة رومانسية للمشي والاستجمام تحت أضواء الغروب، ما يجعله من أبرز الأماكن التي يقصدها الزوار للاسترخاء والتمتع بجمال البحر.

أرواد: الحصن العائم ذو الأمجاد الفينيقية والصراع مع الصليبيين

تحمل جزيرة أرواد تاريخًا غنيًا، حيث كانت فينيقية الأصل ومركزًا بحريًا هامًا. وقد اشتهرت أرواد بأسطولها البحري الذي كان من أقوى الأساطيل في البحر المتوسط في العصور القديمة، بل كانت تُعتبر من أوائل المدن الفينيقية التي أسّست مستعمرات في البحر الأبيض المتوسط.

ADVERTISEMENT

من أبرز معالم أرواد قلعتها التاريخية التي تقع في الجهة الشمالية من الجزيرة. شُيّدت هذه القلعة بدايةً على يد الغزاة الصليبيين، وتم تطويرها لاحقًا خلال العهد المملوكي، لتكون مركزًا دفاعيًا ضد الهجمات البحرية.

تُعد القلعة مثالًا رائعًا على العمارة العسكرية، حيث تضم أبراجًا دفاعية، وسراديب، وفتحات للرماة. يمكن للزوار اليوم التجوّل في أروقتها واستكشاف تاريخها المثير الذي يشهد على الصراع الطويل بين القوى البحرية في حوض المتوسط.

تصوير GFDL - المصدر : ويكيبيديا

رحلة بالعبّارة إلى جزيرة أرواد: الجزيرة السورية المأهولة الوحيدة

تبعد جزيرة أرواد حوالي 3 كم عن شاطئ طرطوس، وهي الجزيرة الوحيدة المأهولة بالسكان في سوريا. يمكن الوصول إليها بسهولة عبر رحلات العبّارات اليومية التي تنطلق من ميناء طرطوس، وتستغرق الرحلة حوالي 15 دقيقة فقط، لكنها تفتح أبوابًا على قرون من التاريخ البحري والسياسي.

ADVERTISEMENT

كنيسة مار إلياس

تقع كنيسة مار إلياس داخل المدينة القديمة في طرطوس، وتُعد من أقدم الكنائس التي لا تزال مستخدمة حتى اليوم في سوريا. تعود أصول بنائها إلى العهد البيزنطي، وقد خضعت للترميم عدة مرات على مر العصور للحفاظ على هيكلها المعماري الفريد. تتميز الكنيسة بواجهتها البسيطة وأقواسها الحجرية ونوافذها الصغيرة، وتُعد مكانًا روحيًا يجذب الزوار من داخل سوريا وخارجها، خصوصًا خلال المناسبات الدينية. الكنيسة ليست فقط موقعًا دينيًا، بل تُعتبر شاهدًا على العمق التاريخي والتنوع الثقافي لطرطوس، حيث تعايشت الأديان والطوائف في وئام لقرون طويلة.

الواجهة البحرية والكورنيش البحري

يمتد الكورنيش البحري في طرطوس على طول الساحل، وهو من أبرز معالم المدينة الحديثة التي تجمع بين الجمال الطبيعي والتصميم العصري. تنتشر على امتداد الكورنيش المقاهي والمطاعم التي تطل على البحر مباشرة، وتُقدّم للزوار جلسات ممتعة مع مشاهد البحر المفتوح وصوت الأمواج الهادئة. في المساء، يكتظ الكورنيش بالمشاة والعائلات الذين يقصدونه للاستجمام أو ممارسة الرياضة أو الاستمتاع بغروب الشمس الساحر. كما تُقام في بعض أجزائه فعاليات موسمية، كالحفلات المفتوحة والعروض الموسيقية، ما يجعله قلب الحياة الاجتماعية والترفيهية في المدينة.

ADVERTISEMENT

متحف الشيخ صالح العلي (بلدة الشيخ بدر)

يقع متحف الشيخ صالح العلي في بلدة الشيخ بدر القريبة من طرطوس، ويُخلّد هذا المتحف سيرة أحد أبرز قادة الثورة السورية الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي في عشرينيات القرن الماضي. يضم المتحف مجموعة نادرة من الوثائق التاريخية، وصور أرشيفية، وأسلحة استخدمها الثوار في معاركهم، إضافة إلى مقتنيات شخصية للشيخ صالح العلي. يعكس المتحف الروح الوطنية والمقاومة التي سادت تلك الفترة، ويُعتبر وجهة تعليمية وتاريخية مهمة للزوار والطلاب، إذ يقدم سردًا حيًا لتاريخ النضال السوري من أجل الاستقلال. زيارتك للمتحف تمنحك نظرة فريدة إلى جانب بطولي من التاريخ السوري المعاصر.

تصوير دوسيمان - المصدر: ويكيبيديا

قلعة يحمور

تقع قلعة يحمور على بُعد نحو 10 كيلومترات إلى الجنوب من مدينة طرطوس، وتُعد واحدة من القلاع الصليبية الصغيرة لكنها ذات أهمية استراتيجية كبيرة، نظرًا لموقعها المرتفع المشرف على الساحل. بُنيت القلعة في القرون الوسطى واستخدمها الصليبيون كحصن مراقبة ودفاع، ثم أعاد المسلمون استخدامها بعد تحرير المنطقة. تتميز القلعة بجدرانها السميكة وبساطة تصميمها، وتُعد نموذجًا مهمًا لفنون التحصين العسكري في العصور الوسطى. زيارتها تُوفر تجربة مميزة لمحبي الآثار، خاصة مع الإطلالة البانورامية التي توفرها على الريف المحيط والساحل القريب.

ADVERTISEMENT

موقع عمريت الأثري

يقع موقع عمريت الأثري جنوب طرطوس، ويُعد من أهم المواقع الفينيقية في سوريا، إذ يعود تاريخه إلى القرن الخامس قبل الميلاد. يضم الموقع معبدًا فينيقيًا مميزًا بعماراته الدائرية النادرة، بالإضافة إلى مقابر ملكية منحوتة في الصخر، ومرافق رياضية تُعد من أقدم الساحات المخصصة للرياضة في الشرق القديم. تكشف الحفريات عن مدى تقدم الفينيقيين في العمارة والدين والحياة المدنية، ويُعد الموقع شاهدًا على دور عمريت كمركز ديني وتجاري هام. يُعد اليوم مقصدًا للباحثين والزوار المهتمين بالتاريخ القديم، ويمنح نظرة عميقة إلى واحدة من أعرق الحضارات المتوسطية.

الأنشطة والمواسم السياحية في طرطوس وأرواد

تزدهر السياحة في طرطوس وأرواد خلال فصل الصيف، حيث يقصد الزوار الشواطئ الرملية الدافئة، والمطاعم البحرية، والمقاهي المطلة على البحر. ومن أبرز الأنشطة التي يمكن للزائرين القيام بها:

ADVERTISEMENT
  • السباحة والغوص: تشتهر شواطئ طرطوس بصفاء مياهها،      وتُعتبر مناسبة لممارسة الغوص واستكشاف الحياة البحرية.
  • زيارة الأسواق الشعبية: مثل سوق "المدينة      القديمة" في طرطوس، الذي يعج بالحرف اليدوية، والتوابل، والمأكولات      المحلية.
  • رحلات بحرية إلى أرواد: سواء للاستجمام أو لاستكشاف      القلعة والميناء التاريخي.
  • مهرجان طرطوس السياحي: يُقام سنويًا في فصل الصيف ويشمل      عروضًا موسيقية وفنية ومسرحية، إلى جانب فعاليات للأطفال والأسواق المفتوحة.

أكثر المقالات

toTop