اكتشف دمشق: جولة في أقدم عاصمة في العالم وروائعها الخالدة

ADVERTISEMENT

تُعد دمشق، عاصمة سوريا، أقدم مدينة مأهولة بالسكان بشكل مستمر في العالم، إذ يمتد تاريخها لأكثر من 11,000 عام. تقع المدينة عند سفح جبل قاسيون وتُروى من نهر بردى، وقد شكّلت دمشق مفترق طرق للحضارات المتعاقبة، من الآراميين والرومان إلى الأمويين والعثمانيين. واليوم، تمثل المدينة مزيجاً حياً من العمارة القديمة والمعالم الروحية والأسواق النابضة بالحياة والتقاليد الثقافية العريقة. المشي في شوارع دمشق يُشبه التجول في متحف مفتوح، حيث كل زقاق وقبة وسوق تحكي قصة من الصمود والإرث.

تصوير جمعة ملحم - المصدر : بيكسلز

لمحة تاريخية عن دمشق: مهد الحضارات

تُعتبر دمشق من أقدم المراكز الحضرية في التاريخ البشري، حيث تعود جذورها إلى حوالي 9,000 قبل الميلاد. على مر العصور، كانت في قلب طرق التجارة الكبرى ومركزاً للعديد من الإمبراطوريات. كان الآراميون من أوائل من استوطنوا دمشق وجعلوها مركزاً إقليمياً. لاحقاً، أصبحت جزءاً من الإمبراطورية الرومانية، حيث ازدهرت بالبنى التحتية من طرق وقنوات ومعابد.

ADVERTISEMENT

لكن نجم دمشق سطع بالفعل في عام 661 م عندما أصبحت عاصمة للدولة الأموية، أول إمبراطورية إسلامية عظيمة. خلال هذه الحقبة، تحولت المدينة إلى مركز سياسي وديني وثقافي، واستقطبت العلماء والفنانين والمهندسين المعماريين من أنحاء العالم الإسلامي. ومن أبرز معالم تلك الفترة الجامع الأموي، الذي ما زال حتى اليوم من أهم المعالم الروحية في العالم الإسلامي.

في القرون اللاحقة، تناوب على حكم المدينة العباسيون والمماليك والعثمانيون والفرنسيون، وكل منهم ترك بصمته على هويتها الفريدة. وعلى الرغم من التحديات الحديثة، بما فيها النزاع الأخير، لا تزال دمشق رمزاً للصمود والثراء الحضاري الإنساني، ومصدر فخر للموروث السوري العريق.

أهم المعالم في مدينة دمشق القديمة

مدينة دمشق القديمة: قلب العاصمة النابض

تُعد مدينة دمشق القديمة قلب العاصمة السورية وموطنًا لإحدى أقدم الحضارات في العالم. بُنيت على ضفاف نهر بردى ومحاطة بجدران تاريخية، وتُعتبر متحفًا حيًا يعكس مزيجاً من الثقافات والأديان. تتخللها أزقة ضيقة مرصوفة بالحجارة، بيوت أثرية مزينة بالنوافذ الخشبية والشرفات المزخرفة. تضم المدينة القديمة معالم بارزة مثل الجامع الأموي، سوق الحميدية، قصر العظم، وعدة كنائس ومساجد وأديرة. وقد تم تصنيفها كموقع تراث عالمي من قبل اليونسكو منذ عام 1979. في كل زاوية من زواياها تجد حكاية، من عهد الآراميين إلى العهد الإسلامي والحقبة العثمانية. التجول فيها تجربة حسّية وروحية، حيث تمتزج روائح التوابل وأصوات الباعة وألوان المشغولات اليدوية. مدينة دمشق القديمة ليست مجرد موقع أثري، بل هي قلب نابض بالحياة والتاريخ، تحكي قصة مدينة لا تزال تحتفظ بعبق الماضي وسط إيقاع الحاضر.

ADVERTISEMENT

باب شرقي: أحد أشهر بوابات دمشق الرومانية الباقية حتى اليوم

يُعد باب شرقي من أقدم وأهم بوابات مدينة دمشق التاريخية، ويُعتبر البوابة الوحيدة التي احتفظت بطابعها الروماني الأصلي. يعود تاريخ بنائه إلى القرن الثالث الميلادي، حين كانت دمشق تحت الحكم الروماني، وهو أحد الأبواب السبعة الشهيرة التي كانت تحيط بأسوار المدينة القديمة. يتميز الباب بقوسه الحجري الكبير وأعمدته الرخامية، ويؤدي مباشرة إلى الشارع المستقيم (فيّا ريكتا)، أحد أقدم الشوارع في العالم. يُشكل باب شرقي نقطة التقاء بين حضارات متعددة، حيث تقع بالقرب منه كنائس أثرية ومساجد تاريخية، مما يعكس التنوع الديني والثقافي الذي ميز دمشق عبر العصور. كما أن الحي المجاور له، المعروف بحي باب شرقي، يتمتع بجمال معماري فريد ويضم مقاهي ومطاعم شعبية تعكس الطابع الدمشقي الأصيل. زيارة باب شرقي ليست فقط فرصة لرؤية معلم أثري، بل هي دعوة للدخول إلى قلب التاريخ الدمشقي بكل ما يحمله من إرث وعمق حضاري.

ADVERTISEMENT

الجامع الأموي: من أضخم وأقدم المساجد في العالم

الجامع الأموي في دمشق، المعروف بالجامع الكبير، يُعد من أهم معالم المدينة ومن أعظم التحف المعمارية الإسلامية في العالم. بني في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بين عامي 705 و715 م، على أنقاض معبد روماني وكنيسة بيزنطية، مما يجعله شاهداً على تلاقي الأديان والحضارات. يتميز الجامع بفنائه الواسع، وقاعاته المزينة بالفسيفساء الذهبية التي تمثل مناظر طبيعية فريدة، وثلاث مآذن شاهقة تمثل مراحل معمارية مختلفة. يُحتضن في داخله ضريح النبي يحيى (يوحنا المعمدان)، ما يمنحه أهمية روحية للمسلمين والمسيحيين على حد سواء. كما يضم مقام رأس الحسين، وله مكانة خاصة لدى المسلمين الشيعة. إلى جانب دوره الديني، يُعد الجامع مركزًا علميًا وثقافيًا منذ قرون، حيث خرج العديد من العلماء والفقهاء. زيارة الجامع الأموي ليست فقط تجربة دينية، بل هي رحلة في قلب التاريخ الإسلامي والعمارة الفريدة التي تجمع بين الجمال والقدسية.

ADVERTISEMENT

كنيسة حنانيا: إحدى أقدم الكنائس تحت الأرض في العالم

تقع كنيسة القديس حنانيا في حي باب شرقي، وتُعد من أقدم الكنائس المسيحية في العالمالتي لا تزال قائمة حتى اليوم. بُنيت في القرن الأول الميلادي تحت الأرض، في زمن كان فيه المسيحيون مضطهدين ويؤدون شعائرهم بسرية. تنسب الكنيسة إلى القديس حنانيا، أحد تلاميذ السيد المسيح، الذي استقبل بولس الرسول (شاول الطرسوسي) بعد تحوله إلى المسيحية، وتُعد هذه الحادثة من المحطات المفصلية في تاريخ الديانة. تتميز الكنيسة ببساطتها وروحانيتها، إذ تضم قاعة صغيرة ومذبحًا حجريًا وأيقونات قديمة تجسد المراحل الأولى للمسيحية في الشرق. تعتبر الكنيسة محجًا للمؤمنين والسياح من مختلف الجنسيات، حيث توفر تجربة روحانية فريدة في قلب دمشق. ما يميزها أيضًا هو حفاظها على طابعها الأثري بدون إضافات حديثة، مما يجعل زيارتها تجربة أصيلة تعكس عمق الجذور المسيحية في سوريا. إنها شهادة حية على التعايش الديني الذي ميّز تاريخ المدينة.

ADVERTISEMENT
تصوير كريم كريم الدين- المصدر : بيكسلز

الجامع الأموي: تحفة معمارية وروحية

يُعتبر الجامع الأموي، المعروف أيضاً بـ الجامع الكبير في دمشق، من أبرز المعالم الإسلامية وأكثرها روعة وتأثيراً. تم بناؤه بين عامي 705 و715 م على أنقاض معبد روماني وكنيسة بيزنطية، مما يعكس تداخلاً فريداً للديانات والثقافات.

يتميز الجامع بفناءه الواسع المحاط بأروقة مزخرفة بالفسيفساء الذهبية التي تُعد من أروع أمثلة الفن الإسلامي المبكر، حيث تصور مناظر طبيعية ومدناً قديمة. وتعلو الجامع ثلاث مآذن شُيّدت في فترات مختلفة، وهي من أبرز رموز المدينة.

داخل الجامع، يوجد ضريح النبي يحيى (يوحنا المعمدان)، ما يجعله مكاناً مقدساً لكل من المسلمين والمسيحيين. ويحتوي أيضاً على مقام الحسين، المرتبط بعائلة النبي محمد، ويُعد ذا أهمية خاصة لدى الطائفة الشيعية.

ADVERTISEMENT

ما يُميز الجامع الأموي هو دوره التوحيدي بين الأديان والثقافات، حيث يجمع بين الجمال المعماري والعمق الروحي، ويظل حتى اليوم وجهة للعبادة والتأمل والتاريخ الحي.

استكشاف سوق الحميدية والأسواق التقليدية

لا تكتمل زيارة دمشق دون التجول في سوق الحميدية، أكبر أسواق المدينة وأكثرها حيوية. يمتد السوق من باب النصر الروماني إلى ساحة الجامع الأموي، ويُعد تجربة حقيقية تبهج الحواس.

تم بناء السوق في الحقبة العثمانية، ويتميز بسقفه الحديدي المثقوب بآثار الرصاص الناتج عن القصف الفرنسي عام 1925، في إشارة مؤثرة إلى نضال المدينة. اليوم، يزدهر السوق بالأنشطة التجارية التي تشمل التوابل والعطور والأقمشة والحرف اليدوية والحلويات.

من أشهر المحلات فيه محل بكداش، الذي يُقدّم البوظة العربية التقليدية منذ عام 1895، بنكهات الموز والمستكة والمكسّرات. وبالقرب منه توجد أسواق أخرى مثل سوق البزورية وسوق الحرير، حيث يمكنك شراء الزهور المجففة والعقاقير الطبية والحرير الدمشقي الأصيل.

ADVERTISEMENT

السوق الدمشقي ليس فقط مكاناً للتسوّق، بل هو مكان للتواصل مع التراث الحي، حيث يُمارس التجار والعاملون مهناً تعود إلى قرون، ويجسدون روح المدينة.

تصوير شيرميتي محمد - المصدر: بيكسلز

متاحف ومعالم ثقافية تستحق الزيارة

تزخر دمشق بمجموعة متنوعة من المتاحف والمؤسسات الثقافية التي تسلط الضوء على تاريخها العريق وفنونها المتعددة.

أهمها المتحف الوطني بدمشق، الذي تأسس عام 1919. يحتوي على مجموعات فريدة تغطي الفترات ما قبل التاريخ، والعصور القديمة، واليونانية-الرومانية، والإسلامية، والحديثة. من أبرز معروضاته واجهة قصر الحير الغربي المعاد بناؤها، وألواح طينية مكتوبة بالخط المسماري، وكنوز من حضارات ماري، إبلا، وأوغاريت.

كذلك يوجد متحف الخط العربي داخل المدرسة العادلية، ويُظهر جماليات الخط العربي وأهميته في الفنون الإسلامية. أما قصر العظم، فهو ليس فقط مثالاً للعمارة الدمشقية، بل أيضاً متحف يعرض أسلوب الحياة الدمشقية التقليدية، من الأثاث إلى الأزياء.

ADVERTISEMENT

ولعشاق الأدب، تُوفر مكتبة الأسد الوطنية مخطوطات نادرة وتستضيف فعاليات ثقافية متنوعة. وهناك أيضاً معارض فنية ومسارح تعكس روح دمشق الإبداعية التي لا تنطفئ رغم الظروف.

المطبخ الدمشقي والمأكولات السورية التقليدية

لا تقتصر روعة دمشق على تاريخها، بل تمتد إلى مطبخها الغني والمتنوع. يُعد المطبخ السوري، وخاصة الدمشقي، من الأكثر شهرة في الشرق الأوسط، لما يتميز به من نكهات فريدة ومكونات طازجة.

تشمل الأطباق الأساسية الكبّة بأنواعها، والمحشي بأنواعه المختلفة، إلى جانب الفتوشوالتبولةالشهيرة. من الأطباق الخاصة بدمشق الشنكليش، وهو جبن معتّق مغطى بالأعشاب ويُقدّم مع الطماطم وزيت الزيتون.

أما بالنسبة للأكلات السريعة، فإن الفلافل، الشاورما، والمناقيش تُعتبر من الأطباق المفضلة لدى الزوار. ومن المطاعم التقليدية المشهورة في المدينة القديمة: بيت جُبري ونارانج، حيث تُقدَّم الأطباق في أجواء شرقية ساحرة.

ADVERTISEMENT

ولا تكتمل الوجبة بدون الحلويات مثل البقلاوة، المعمول، وحلاوة الجبن الدمشقية. وتُختَتم الجلسة عادةً بكوب من القهوة العربية أو شاي النعناع.

الطعام في دمشق ليس مجرد وجبة، بل هو تجربة ثقافية واجتماعية، تعكس كرم أهلها ودفء تقاليدهم.

تصوير باشوريتو - المصدر: بيكسلز

دمشق .. حاضرة التاريخ ومستقبل مشرق

لا تكفينا عشرات المقالات لنعطي مدينة دمشق حقها لكننا حاولنا أن نجمع في تلك المقالة أهم ما يمكن أن تراه في هذه المدينة التي ترى في كل زاوية في شوارعها قصص وحكايات عن أقوام تركوا بصمتهم في كتب التاريخ ولازالت سيرتهم تتناقل بين الناس حتي يومنا هذا. هل زرت مدينة دمشق من قبل؟

أكثر المقالات

toTop