الكهف أسفل قلعة بيمبروك ومصير البريطانيين الأوائل
تنتشر في المشهد التاريخي لبريطانيا القلاع القديمة التي تحمل كل منها أسرار الماضي داخل جدرانها الحجرية. تُعدّ قلعة بيمبروك، وهي قلعة مهيبة في ويلز، أحد هذه المواقع. كشفت الاستكشافات الأخيرة عن كهف أسفل القلعة قد يقدم رؤى جديدة حول مصير البريطانيين الأوائل. ويَعدُ هذا الاكتشاف الغني بأهمية تاريخية وأثرية، بإلقاء الضوء على حياة الناس الذين سكنوا هذه المنطقة منذ آلاف السنين.
1. اكتشاف الكهف تحت قلعة بيمبروك.
في تحول ملحوظ للأحداث، اكتشف علماء الآثار كهفاً لم يكن معروفاً من قبل أسفل قلعة بيمبروك. تم اكتشاف هذا الكهف، الذي كان مختبئاً لعدة قرون، أثناء أعمال الصيانة الروتينية. وظل المدخل، الذي كانت تخفيه الأنقاض والنباتات المتضخمة، دون أن يلاحظه أحد من قبل المؤرخين وعلماء الآثار على حد سواء، مما جعل الكشف عنه بمثابة اختراق مثير.
2. تاريخ كهف قلعة بيمبروك.
يتشابك تاريخ الكهف الموجود أسفل قلعة بيمبروك مع ماضي القلعة. تم بناء القلعة، التي يعود تاريخها إلى القرن الحادي عشر، على رعن (شنخة promontory) استراتيجي يطل على نهر بيمبروك. ومع ذلك، فإن أصول الكهف تسبق القلعة بعدة آلاف السنين. وتشير الفحوصات الأولية إلى أنه كان يستخدم من قبل البشر خلال عصر ما قبل التاريخ، مما يجعله موقعاً ذا أهمية أثرية كبيرة.
3. تاريخ قلعة بيمبروك.
تُعدّ قلعة بيمبروك نفسها معلماً تذكارياً للهندسة المعمارية في العصور الوسطى، وقد بناها النورمان في عام 1093. وقد لعبت دوراً حاسماً في الدفاع عن جنوب ويلز وارتبطت بالعديد من الأحداث التاريخية، بما في ذلك ولادة هنري السابع، أول ملك تيودور. إن الأهمية الاستراتيجية للقلعة واحتلالها المستمر عبر القرون يجعلها أرشيفاً للروايات التاريخية الغنية.
4. دليل على وجود البريطانيين الأوائل في الكهف.
اكتشف علماء الآثار داخل الكهف مجموعة من القطع الأثرية التي تشير إلى استخدامه من قبل البريطانيين الأوائل. وتشمل هذه أدوات الصوان، وشظايا الفخار، وعظام الحيوانات. ومع ذلك، فإن الاكتشافات الأكثر إثارة للاهتمام هي بقايا الدهون الحيوانية على جدران الكهف وأرضيته، مما يشير إلى أن الكهف ربما تم استخدامه للطهي أو الأنشطة المنزلية الأخرى.
توفر هذه النتائج نافذة على حياة البريطانيين الأوائل. ويُعدّ الانتقال من مجتمع الصيد وجمع الثمار إلى مجتمع زراعي أكثر استقراراً مرحلة أساسية في عصور ما قبل التاريخ البريطاني. كما تشير الأدلة على الدهون الحيوانية المستأنسة إلى أن سكان هذا الكهف كانوا جزءاً من هذه الفترة التحولية، مما ساهم في فهم كيفية تكيّف البريطانيين الأوائل مع بيئتهم وتطوير طرائق جديدة للمعيشة.
5. تفسير الدهون الموجودة في كهف قلعة بيمبروك.
اكتشاف الدهون الحيوانية في الكهف له أهمية خاصة. وباستخدام التحليل الكيميائي الحيوي المتقدم، تمكن الباحثون من تحديد أنواع الحيوانات التي تم معالجتها واستهلاكها من قبل سكان الكهف. يشير وجود الدهون من الأنواع المستأنسة مثل الأبقار والأغنام والخنازير إلى نمط حياة مستقر، يتناقض مع الوجود البدوي للصيادين وجامعي الثمار الأوائل.
- التقنيات المتقدمة لتحليل الدهون.
لقد أحدث تحليل الدهون الحيوانية في السياقات الأثرية ثورة من خلال التقنيات البيوكيميائية الحديثة. ويلعب تحليل بقايا الدهون، وهو طريقة تستخدم لتحديد وتوصيف الدهون والزيوت المحفوظة في المواد الأثرية، دوراً رئيسياً في فهم الممارسات الغذائية للشعوب القديمة. تُعدّ مطيافية الكتلة- الكروماتوغرافيا الغازية (Gas chromatography-mass spectrometry GC-MS) أحد التقنيات الأساسية المستخدمة في هذه العملية. تقوم هذه الطريقة بفصل المركبات بناءً على كتلتها وشحنتها وتحديدها، مما يسمح للباحثين باكتشاف أنواع معينة من الدهون والزيوت المحفوظة في قطع الفخار وعينات التربة والمخلفات الموجودة على جدران الكهوف.
- طرائق الطبخ التي تشير إليها الدهون.
توفر أنواع الدهون التي تم تحديدها نظرة ثاقبة لطرائق الطهي التي يستخدمها سكان الكهف. يشير وجود الدهون الحيوانية مثل تلك الموجودة في الأبقار والأغنام والخنازير إلى أن هذه الحيوانات لم تكن جزءاً مهماً من النظام الغذائي فحسب، بل تمت معالجتها وطهيها أيضاً في الكهف. يمكن أن يشير اكتشاف المؤشرات الحيوية للدهون المحددة إلى ما إذا كانت الدهون قد تعرّضت لعمليات التسخين أو الطهي. على سبيل المثال، يشير وجود منتجات التغيير الحراري في ملف الدهون إلى استخدام النار في الطهي. يتماشى هذا الدليل مع اكتشاف البقايا المتفحمة ورواسب الرماد في الكهف، مما يشير إلى أن تحميص اللحوم أو سلقها كان ممارسة شائعة.
6. الجدول الزمني لاستخدام الكهف.
يوفّر التقسيم الطبقي للرواسب داخل الكهف إطاراً زمنياً لفهم استخدامه مع مرور الوقت. كشف التأريخ بالكربون المشع للمواد العضوية الموجودة في طبقات مختلفة عن جدول زمني يمتد لعدة آلاف من السنين. تُظهر الطبقات الأولى، التي يعود تاريخها إلى أواخر العصر الحجري الوسيط (حوالي 6000 قبل الميلاد)، دليلاً على أنشطة الصيد وجمع الثمار، بما في ذلك استخدام الدهون الحيوانية البرية. تميز الانتقال إلى العصر الحجري الحديث (حوالي 4000 قبل الميلاد) بإدخال الدهون الحيوانية المستأنسة، مما يشير إلى التحول نحو الممارسات الزراعية.
مع تقدم العصر البرونزي (حوالي 2500 قبل الميلاد)، أصبح استخدام الكهف أكثر تنظيماً، مع المزيد من المواقد الدائمة والأدلة على الأنشطة المنزلية المستدامة. جلب العصر الحديدي (الذي بدأ حوالي 800 قبل الميلاد) مزيداً من التغييرات، مع زيادة الأدلة على طرائق الطهي المعقدة وربما ممارسات الولائم الجماعية، كما يشير ذلك تنوع ووفرة الدهون الحيوانية.
7. التفسير والانعكاسات الأوسع.
يُعدّ وجود الدهون الحيوانية المستأنسة في الكهف علامة مهمة على الانتقال من أنماط الحياة البدوية إلى أنماط الحياة المستقرة. ويُعدّ هذا التحول أمراً بالغ الأهمية في فهم الأنماط الأوسع للتطور البشري والتنمية المجتمعية في بريطانيا المبكرة. يشير تحديد الدهون الحيوانية المختلفة ومنتجات تحللها الحراري إلى فهم دقيق لتقنيات الطهي وحفظ الطعام بين سكان الكهف.
تشير الأدلة على طرائق الطهي، بما في ذلك التحميص والسلق، إلى درجة من التطور في الطهي والتخطيط الغذائي. ومما يؤكد ذلك وجود قطع فخارية كانت تستخدم في الطهي وتخزين الطعام. ويعكس تطور هذه الممارسات مع مرور الوقت قدرة البريطانيين الأوائل على التكيّف والبراعة في سعيهم للحصول على القوت والاستقرار.
8. البحوث المستقبلية وآثارها
فتح الكهف الموجود أسفل قلعة بيمبروك فصلاً جديداً في دراسة البريطانيين الأوائل. سوف تركز الأبحاث المستقبلية على الحفريات والتحليلات التفصيلية للكشف عن المزيد من القطع الأثرية والمخلفات البيولوجية. ستساعد هذه التحقيقات في بناء صورة أكثر شمولاً لسكان المنطقة في عصور ما قبل التاريخ ونظامهم الغذائي وبنيتهم الاجتماعية وتفاعلاتهم مع بيئتهم.
خاتمة.
برز الكهف الموجود أسفل قلعة بيمبروك كموقع مهم لفهم التاريخ المبكر لبريطانيا. ويوفّر اكتشاف الدهون الحيوانية وغيرها من المصنوعات اليدوية أدلة لا تقدر بثمن حول حياة البريطانيين الأوائل، ويُسلّط الضوء على عاداتهم الغذائية، والتقدم التكنولوجي، والهياكل الاجتماعية. ومع إجراء المزيد من الأبحاث، سيستمر هذا الكهف بلا شك في الكشف عن أسرار حقبة ماضية، مما يثري المعرفة بالسكان القدماء للجزر البريطانية.