قصة بناء أطول برج في العالم .. برج خليفة في دبي
هذا البرج هو أحد أعظم الإنجازات الهندسية المعاصرة ، حيث يبلغ ارتفاعه 829.8 متر ، لم يُبنَ شيءٌ بهذا الارتفاع في العالم أجمع . برج خليفة في دبي هو أطول بناء في العالم، بوزنه البالغ ما يقرب من نصف مليون طن ، تحوي ناطحة السحاب هذه من الفولاذ ما يكفي لتغطية ربع محيط الكرة الأرضية، ولكن لولا البنية التحتية المتطورة ، لما أمكن بناء مثل هذا البناء أبدًا. امتلك المهندسون الدرأة وتخلوا عن مخططاتهم أثناء التنفيذ واستمروا بزيادة الارتفاع ، واليوم يقف البرج رغم مخاوف الآخرين / ومالزال المهندسون المسارطون في بنائه يشعرون بالفخرلمشاركتهم في هذا العمل الهندسي البديع. دعونا نكتشف بعضًا من أسرار هذا البناء الهندسي الرائع.
بداية التصميم والهدف من بناء برج خليفة
تم تصميم هذا البرج العملاق ليكون شعارًا أساسيًّا لمدينة دبي التي ترنو لأن تكون عاصمة السياحة في العالم ، لكن طبيعة أرضها لم تكن مثالية لبناء مثل تلك الأبنية العملاقة، فهي مكان حار جدا وشديد الجفاف، وعندما تم التفكير في بناء البرج عام 2003 ، لم تكن تلك الأرض من دبي أكثر من مجرد رمال ، ولجعل هذا المشروع الطموح يبصر النور ، تم تشكيل فريق من أفضل المهندسين في العالم تحت قيادة المهندس خبير ناطحات العالمي "بيل بيكر".
عبقرية فريق بناء برج خليفة
كان من البديهي أن يبدأ الفريق بدراسة موقع بناء البرج لمعرفة طبيعة الأرض التي سيتم بناء البرج عليها ، فقاموا بحفر حفر بعمق عشرات المترات وكانت النتائج أسوأ مما توقعوا حيث وجدوا صخرةً رسوبية ضخمةً تُسمى " كالسيسيلتايت" وتعني "أصداف البحر الرملية" ، فكانت تلك مشكلة كبيرةً تزيد من صعوبة المشروع حيث لا توجد أي قاعدة صخيرة يمكنها أن تحتمل الأطنان الهائلة التي سيتم رفعها على تلك الأساسات ، وبالتالي فلن يصمد البرج بدون قاعدة أساسات قادرة على حمل تلك الأوزان المهولة وإلا حدث له ما حدث لبرج بيزا المائل وقد ينتهي مصيره إلى الانهيار إذا زاد الميلان عن درجة معينة .
التغلب على المشاكل الجيولوجية في أرضية برج خليفة
كان الحل الذي ابتكره فريق العمل حلًّا عبقريًّا، حيث يقف برج خليفة على أساسات أسمنتية بسماكة 3 أمتار ونصف المتر ، وهي تمتد عميقًا لسبعة أمتار تحت الأرض ، وتغطي مساحة 7500 متر مربع (وهي مساحة 28 ملعب كرة مضرب) ، ويسمى هذا " الأساس الطافي" حيث يطفو فوق أرض رخوة. ولتمثيل الأمر يمكنكم تخيل المشي على أرض عشبية بحذاءٍ ذي كعبٍ عالٍ سورفيع ، فسينغرس الكعب في الأرض العشبية وقد يحدث السقوط للخلف ، لكن تخيلوا ارتداء حذاء مسطح فلن يحدث السقوك لأن الضغط سينحفض ويتوزع. وهذا هو الدور الذي يلعبه الأساس الطافي .. توزيع الوزن بشكل جيد ن لكن يجب أن يكون الأساس ثابتًا حتى لا يؤدي إلى ميلان البرج ومن ثم انهياره.
على عكس الركائز التقليدية ، يستمد الأساس الطافي ثباته من الاحتكاك ، حيث أن الاحتكاك هو قوة كبيرة تُطبّق بشكل مفاجئ ، ووجود عدد كافٍ من الركائز التي تستمد ثباتها من الاحتكاك سيؤمّن مجموع قوى للركائز تكفي لحمل البرج، ومن أكبر الأدلة على مثالية الأساس الطافي الذي تم استخدامه في بناء برج خليفة نجد أن البناء قد غاص مسافة إبهامين فقط بعد اكتمال بنائه ( أي ما يعادل 5 سنتيمترات تقريبًا) وهو معدّل مبهر لمبنى بهذا الحجم والوزن.
تجاوز المهندسون عقبة الأرض الغير مستقرة في الصحراء ، لكن مازال أمامهم أكثر من 800 متر من الارتفاع عموديًّا، حيث أن الأساس القوي لوحده لا يكفي لبناء أطول برج في العالم، ومما زاد الأمر صعوبة أن برج خليفة تم بناؤه من الأسمنت، مما زاد من وزن المبنى ، ومصنوعة بشكل يسمح لصب الأسمنت السائل داخله، ثم يتم الانتقال إلى الدور الذي يليه ، فتم بناء طابق كل 3 أيام بهذا الأسلوب وهو معدل سريع جدا مقارنة بحجم البناء ، لكن يزداد الأمر صعوبة كلما ارتفع البناء .
استلهم "بيل بيكر" تصميم الدعائم البارزة من الكاتدرائيات المبنية في العصور الوسطى حيث أن مبنى بهذا الارتفاع الشاهق لا يمكن أن يصمد دون دعائم جانبية ، مما استدعى فريق العمل لوضع تصميم مبتكر ومميز، فقاموا بتدعيم برج خليفة بثلاثة قناطر بارزة تغطي النواة المركزية ، وعبقرية اختيار موقعها ساعد في تبديد الوزن وتوزيعه بعيدًا عن المركز مما قلل الضغط على أرضية البرج، مما جعل البرج يرتفع أكثر فأكثر .
كلما زاد الارتفاع كلما زادت خطورة عمل العمال ، وبالرغم من كل وسائل الحماية فإن ازدياد سرعة الرياح التي وصلت إلى 50 كم \ ساعة تضع الرجال في موقف خطير ، وللأسف تُوفّي 3 عمال خلال عملية البناء الذين يرجع لهم الفضل في بناء هذا البناء العملاق الذي مازال يشهد عبقرية هندسية وشجاعة العمال الذين خاطروا بحياتهم لإنشاء أعلى مبنى في العالم .