مدينة هيبوس المفقودة (سوسيتا)

إنها مدينة شامخة احتفظت بمكانتها على مر التاريخ رغم الزلازل التي جعلت منها حطام وخراب في عام 749م. إنها مدينة هيبوس المفقودة، المعروفة أيضا بسوسيتا. زيارة هذا الموقع رحلة ممتعة ومستحضرة للجغرافيا والتاريخ، كما أنها فرصة للتأمل بما كان وما سيكون بموازين القوى بين الإنسان والطبيعة. فمن معالمها ما هو محطم وما هو سليم، والذي تعكس عظمة هذا المكان وعظمة الإنسان التي تتقزم أمام الطبيعة بالأخص عندما تغضب وتعيده صغيرا عاجزا أمام عظمتها.

موقع مدينة هيبوس المفقودة وأصل تسميتها

تقع مدينة هيبوس شرق بحيرة طبريا في هضبة الجولان. هذه المدينة من المدن الغامضة التي احتار الرحالة وعلماء الآثار طوال قرنين في تحديد موقعها، بناء على المعطيات التاريخية الرومانية والبيزنطية التي تحدثت عنها بكونها مدينة جميلة من مدن الديكابوليس، وهي أحد المدن العشرة الشهيرة في التاريخ الروماني. هيبوس التي تعني باليونانية الأحصنة، وهو المعادل اليوناني لاسمها الآرامي القديم سوسيتا الذي يعني الأحصنة. نجد أنها تسمى حاليا قلعة الحصن.

بنيت المدينة في القرن الثاني قبل الميلاد في موقع استراتيجي تتوفر فيه شروط ومقومات الأمن والأمان والازدهار، حيث أن موقع المدينة محصن طبيعيا بجروف منحدرة في الشمال والغرب والجنوب. كما أن المدينة تطل على بحيرة طبريا، وهي مشهورة بثروتها السمكية، وتتصل شرقا بسهول الزوية، المعروفة بثرواتها النباتية والحيوانية عبر التاريخ. بالإضافة إلى ذلك، يتحكم الموقع في عدة طرق تربط مختلف أقاليم الشام.

الكنائس

أ‌) الكنيسة الشمالية الغربية

entry-icon
entry-icon
entry-icon
entry-icon

كشفت التنقيبات عن ساحة الصلاة في الكنيسة، كما كشف أيضا تابوت رخامي صغير يضم عظاماً بشرية، قد تكون عائدة لقديس غير معروف الاسم. وكذلك تم العثور على جرة من البرونز، عائدة إلى العصر الأموي، مما يؤكد أن الكنيسة قامت بدورها حتى هذا العصر. ويشير بناء هذه الكنيسة إلى درجة القداسة العالية التي يتمتع بها المكان، حيث أقيمت في مركز المدينة، شمال الساحة العامة، وضمن منطقة الحي الهيليني، على بقايا معبد وثني. علاوة على ذلك، يظهر مخطط الكنيسة تماما بوضوح على سطح الأرض حتى قبل التنقيب الذي قام به فريق جامعة وارسو البولندية.

بنيت الكنيسة ورصفت بالحجارة البازلتية المستطيلة بعناية فائقة، وفيها أربع أروقة لكل رواق ست أعمدة التي تعلوها تيجان أيونية. على الأرضية الفسيفسائية في الممر الجنوبي نقشان يونانيتان يخلدان أسماء المتبرعين والمبالغ التي تبرعوا بها، وهم يبدو من أهالي المدينة. اسم أحد المتبرعين كان هيليودورا، والثاني كان اسمه بطرس. بالإضافة إلى أن التحليل المعماري للكنيسة يظهر أنها بنيت على مراحل مختلفة والفسيفساء رصفت بالتقريب في نهاية القرن الرابع أو بداية القرن الخامس. أما تجديد الفسيفساء قرب المذبح الرخامي فيبدو أنه تم في القرن السادس الميلادي، حيث تبدو كفسيفساء الكنيسة الجنوبية الشرقية، المؤرخة عام 591م.

ب‌) الكنيسة الشمالية الشرقية

تقع الكنيسة الشمالية الشرقية على بعد 50 متر من شرق الكنيسةِ الشمالية الغربية. بدأ التنقيب فيها عام 2002 من جامعة كونكورديا في ولاية مينيسوتا الأميركية برئاسة الدكتور مارك شولر. وهي مثل الكنيسة الشمالية الغربية كانت مرئية على سطح الأرض قبل التنقيب. يظهر المخطط العام للكنيسة أنها مربعة الشكل 12 × 12 مترا، بنيت من البازلت المنحوت، أما كسوتها الداخلية من الرخام، يقسمها صفان من الأعمدة أربعة في كل صف.

وما يلفت النظر فيها أنها الوحيدة، من الكنائس العائدة للفترة البيزنطية في الجولان خصوصاً وبلاد الشام عموماً، التي تحتوي على منصة حجرية خارجية. وقد عثر قرب مذبحها على قبرين، وهو أمر غير معتاد لأن وجود مدفن في الكنيسة أمر في غاية الندرة، مما يعبرعن مكانة الأشخاص المدفونين فيها.

ج) الكنيسة الملكية

هي موجودة في جنوب شرق وهي من الطراز الملكي. يفصل صفان من الأعمدة الداخلية الجناحين الجانبيين من ساحة الكنيسة، ويلاحظ أن جزءا من الكنيسة نصف دائري. تتميز كنائس هيبوس عن الكنائس البيزنطية الأخرى بالجولان بمنصة رخامية داخلية نصف دائرية.

ما أظهرته التنقيبات

وقد أظهرت التنقيبات أن المدينة عانت في بدايتها من نقص الماء، واعتمدت على أحواض تخزين في توفير الماء. فقد وجد في الجزء الغربي من المدينة بركة كبيرة، وأخرى صغيرة، مجصصة، ويعتقد بعضهم أن النافورة ذات التصميم المعقد كانت في هذا المكان. قد حلت مشكلة الماء لاحقا بتقنية تنم عن معرفة دقيقة بطبوغرافية الأرض، والقدرة على توظيف المواد المحلية في نقل الماء، حيث تم جلب الماء من أعالي وادي العال، وعلى امتداد 25 كم، اعتمدوا عليها وقاموا بالاعتناء بها وبهندستها حتى توفر ماء نظيف للمدينة.

المزيد من المقالات