هذا هو الحال: إنّنا غير مثاليّين في عالم غير مثاليّ
مَن منّا لا يفكّر في حياته وفي مساره؟ مَن منّا لا يضع مختلف الفرضيات والتحليلات لما يحدث له، وبخاصّة عندما يتعرّض إلى مشاكل؟ المشاكل ستكون دائمًا جزءًا من حياتنا، ولذلك قرّرنا منذ زمن أن ننظر إليها على أنها تجارب واختبارات ترافقنا، اعتمادًا على مدى نجاح الإنسان في اجتيازها، وتعلمنا أنه في الحياة، هناك أشياء كثيرة لا يمكننا تغييرها ويجب علينا قبولها. ومهما حاولنا البحث، في كل مشكلة تواجهنا، عن إجابة لماذا، وما سبب حدوث المشكلة، وما هي تبعاتها وعواقبها، فإننا ندرك أن هناك بعض الأسئلة التي لا نحتاج أن نعرف إجاباتها. تهدف هذه المقالة إلى تقديم بعض الأفكار عن الكمال، وهل هو ضروريّ حقًا.
"هذا هو الحال"، والحياة تستمر:
في بعض المواقف، نحتاج إلى التخلي عن الكمال وقبول أن هناك العديد من الأجزاء غير المكتملة في حياتنا. وعبارة "هذا هو الحال" هي إحدى جمل المانترا لتقليل مشاعر خيبة الأمل عندما نواجه موقفًا لا يتوافق مع رغباتنا.
لكل حدث سبب، لكن في بعض الأحيان هناك بعض الأحداث التي لا نحتاج إلى معرفة سببها. وفي أحيان أخرى، قد تأتي أوقات نختار فيها التوقف، ليس لأننا لا نستطيع السير إلى هدفنا، ولا لأننا لا نستطيع تحقيقه، كما وليست مسألة عدم توفّر الوقت. بل قد يكون من الممكن أن الشيء الذي نريد تحقيقه ليس هو الأفضل بالنسبة لنا، وهناك أشياء أخرى تنتظرنا لتحقيقه، أو ربما لم يحن الوقت بعد، لأن هناك أمورًا أكثر أهمية لها أولويّة في الوقت الحالي. والتحلي بالقبول والصبر والإيمان أمر رائع لأنه إذا أُغلق باب، سيُفتح باب آخر. هناك فرص أخرى تنتظرنا لنسير نحوها.
القبول والامتنان:
إن هذا القبول ليس بالأمر السهل، ولكنه يجعلنا أكثر هدوءًا في حياتنا. لا شكّ هناك أوقاتًا نشعر فيها بالألم. على سبيل المثال، عندما نفشل في الحصول على الوظيفة التي نريدها، أو عندما نكنّ مشاعر اتّجاه شخص ما لكنه لا يبادلنا المشاعر، كما أنّ بعض التصرفات أو الكلمات تؤذينا... فنتساءل لماذا نشعر بهذا الألم؟ وتصبح أفكارنا فوضوية ولا يمكن السيطرة عليها. وكلما بحثنا عن إجابة، أصبح من الصعب العثور عليها. وهنا نصل إلى القبول: قبول كل الألم، قبول الفشل، قبول الحب الذي لم نتلقه... وبدون ندم وبدون لوم للذات، لأننا حاولنا وسلّمنا أمرنا لربّ العالمين. ولا بأس في البداية أن نشعر بما نشعر به، سواء أكان ذلك حزنًا أم خيبة أمل، فمشاعرنا ليست خاطئة.
للقبول نتيجة أخرى هي الشعور بالامتنان. والامتنان يكون بتقدير الأشياء الجيدة في الحياة، والتركيز عليها. التركيز على ما نتلقاه، وليس على المشاكل، لأنّ للّه دائمًا طريقة تجعلنا نبتسم أينما كنا، وأينما وقفنا.
نحن كائنات غير مثالية:
العالم الذي نعيش فيه ليس مثاليًا. وكلمة "الكمال" هي مفهوم فلسفي أكثر من كونها حالة من الوجود. لأنها لو كانت حالة من الوجود يمكن تحقيقها، لكان بإمكان كل واحد منا أن يدّعي أنه في عالم مثالي. سنكون كلّنا على حق، ولكن في الوقت نفسه سنكون كلّنا مخطئين بحسب تعريف شخص آخر لكلمة "الكمال"، لأن كل واحد منا يعرّف الكمال بطريقته الخاصة. ولكن، من الناحية الفلسفية، "الكمال" هو حالة مثالية. فالمثالية، بحكم تعريفها، غير موجودة، وإلا فإنها كانت لتكون حقيقية. المثالية مفهوم، ومن ثمّ فهي لا توجد إلّا في خيالنا.
وفكرة الكمال في الأديان تسير في نفس الاتّجاه تقريبًا؛ فنحن نحددها على أساس ما نتخيله. قد يقترب القديسون وغيرهم من الأشخاص الصالحين والأبرار من تعريفنا للكمال، ولكن بما أنهم بشر، فإن الكمال غير ممكن حتى بالنسبة لهم. نحن البشرَ غير كاملين بطبيعتنا بمجرّد قبولنا رواية الكتب المقدسة عن الخلق كحقيقة. ولأغراضنا في الوقت الحاضر، سنقبل هذه الرواية. إن طبيعة الإنسانية، وفقاً للتقاليد الإسلامية والمسيحية واليهودية، هي أننا أخطأنا منذ البداية، وبذلك فقدنا الكمال الذي كان جوهر هويتنا منذ اليوم الأول. ونحن نعاني من ذلك منذ ذلك الحين، ولا نزال نعاني إلى اليوم ما خلا محاولات معزولة هنا وهناك. ولكن لا داعي للقلق! هناك دائمًا يوم آخر للعمل عليه.
والعالم أيضًا غير مثالي...
نؤكّد هنا أنّ الحديث ليس عن الحالة الإنسانية فحسب، بل يتضمّن الأرض التي نعيش ونتحرك ونوجد عليها؛ فكوكب مثالي يجب أن يكون آمنًا بنسبة 100% للعيش عليه. ومن الواضح أن هذا ليس هو الحال هنا. منذ مدّة قريبة فُجعنا في منطقتنا بكارثة. في بيئة مثالية، لم يكن هذا ليحدث. كان من الممكن أن يتم تسوية كل شيء فيما يتعلق بالصفائح التكتونية، ولكانت الموجات الوحيدة التي تنتجها المحيطات هي تلك التي تتأثر بجاذبية القمر ودوران الأرض. لو كان الزلزال والتسونامي حدثين معزولين في تاريخ البشرية، أمكننا أن نعزوهما إلى نزوة إلهية أو شيء سبّبه البشر بإهمالهم مثلًا. لكن كوارث أخرى حدثت من قبل، وسوف تحدث مرة أخرى. جميعنا يعلم ذلك للأسف. ومن يدري ما إذا كانت الهجرة إلى كوكب آخر صالح للسكن - مهما بدا ذلك بعيد المنال الآن - ستزيل هذا المتغير من قائمة همومنا واهتماماتنا. سيظل البشر في مركز الحياة على الكوكب الجديد أيضًا.
الخاتمة:
ليس الهدف من هذه المقالة أن نتشاءم بهذا الخصوص، لكن الأكيد هو أن الأمور على صعيد العلاقات الشخصية ستتدهور في النهاية إلى ما نعيشه الآن، وذلك لأننا نحمل عيوبنا معنا، بغضّ النظر عن الحي والبلد وحتى الكوكب الذي نعيش فيه. الحقيقة هي أننا عالقون في المكان الذي نعيش فيه بعضنا مع البعض الآخر. قد يُنظر إلى عيوبنا على أنها ما يجرنا نحو الأسفل، ولكنها هي نفسها الدافع لكي نقوم بعمل أفضل، خاصة في العلاقات الشخصية، ومع ذواتنا الداخلية. على الرغم من عيوبنا، يمكننا أن نختار أن نفعل ما هو أفضل. ولكن هل سنفعل؟