زرقاء اليمامة... المرأة صاحبة البصر الخارق

هناك الكثير من الأمور الحياتية التي تتطلب الرزانة وبعد النظر والتخطيط ومننا من يمتلك هذه الصفات ومننا من لا يمتلكها لكن أشهر من امتلكها هي زرقاء اليمامة. زرقاء اليمامة - المرأة صاحبة أحدّ بصر - سميت بهذا الاسم لزرقة عينيها اللتان تبصران إلى مدى بعيد، ولأنها كانت تعيش في منطقة فسيحة في اليمامة. فزرقاء اليمامة، المعروفة أيضا بعنز، من أشهر الأساطير العربية التي بها مواعظ ثمينة لا غنى عنها.

زرقاء اليمامة وحدة بصرها:

إن زرقاء اليمامة من قبيلة جديس عرِفت بجمالها، حيث شبهت بقمر ليلة البدر. قيل إنها كانت ترى الشخص على بعد مسيرة ثلاثة أيام وهناك من قال مسيرة يوم وليلة، ولذلك كان قومها يستعينون بها لتحذرهم من الغزاة. يروى أنه كان هناك قبيلتان كبيرتان قويتان في أرض اليمامة. كانت تدور بينهما العديد من الحروب، وقد ساعدتهما زرقاء اليمامة في حروبهم، حيث أنها كانت تقف على قمة جبل عال، لكي ترى طريق الأعداء واتجاهاتهم، وتعلم قبيلتها بتحركاتهم، كي يتأهبوا للقتال، وفي كل مرة كانت هي السبب في انتصار قبيلتها، وتكريما لها كان الجميع يهتف لها ويحييها.

ولكن ذات يوم، كان هناك رجلا يدعى رياح بن مرة، وزيرا لملك يدعى حسان، قال للملك: "أيها الملك إن لي أختاً متزوجة في مدينة جديس، وتدعى زرقاء تقدر على رؤية شخص من مسيرة تعادل يوماً وليلة كاملة، وإنّي أخاف أن تنظرنا وتحذّر قومها، فيستعدوا لنا."

لذلك، أمر الملك رجاله بأن يقطعوا أغصان الأشجار في الليل ويتخفوا وراءها، حتى يحتالوا على زرقاء اليمامة، ولكن رياح ردّ على الملك قائلاً: "إنّ بصرها أقوى بالليل." ولكن الجيش سار ليلا، واختبأ وراء الأشجار المقطوعة. وعندما اقتربوا من اليمامة، شاهدتهم زرقاء وقالت لقومها: "يا آل جديس لقد سارت إليكم الأشجار، وأتتكم أوائل خيل حمير وهو جيش الأعداء."

فكذبها قومها وسخروا منها، ونتيجة لذلك هجم عليهم جيوش الأعداء وفاجأتهم وغلبتهم، ودخلوا المدينة وأمسكوا بها، حيث سألها ملك الأعداء ماذا رأت فقالت: "رأيت الشجر خلفها بشر." فقام الملك بقلع عينيها؛ تجنبا لخطرها وأمر بصلبها على باب المدينة، ومنذ ذلك اليوم تمّ تغيير اسم المدينة من جديس إلى اليمامة، وأصبح اسم زرقاء اليمامة من أشهر الشخصيات العربية القديمة.

الجدال حول حدة بصرها:

هناك جدالا بين الكثيرين حول حقيقة حدة بصرها لأنه من الصعب على العين البشرية أن ترى مسافة تتجاوز الخمسين كيلومترا، وهذا بشرط أن يكون الأفق ممتدا تماما، مثلما نجد على قمة جبل مرتفعة، فبالنسبة لزرقاء اليمامة، فلم يرو عنها صعود جبال مرتفعة بما فيه الكفاية.

entry-icon
entry-icon
entry-icon
entry-icon

المشكلة الثانية في قصة زرقاء اليمامة نابعة من حقيقة أن الأرض كروية وليست مسطحة. هذا يعني أن الأفق بعد مسافة حوالي خمسة كيلومترات ليس مرئيا، لأنه يغطس وينحني مختفيا مع تكور الأرض، ولا يستطيع الضوء الالتفاف ليلحقه. لهذا السبب، يصعب رؤية شيء واقف على سطح الأرض يتجاوز بعده عن المشاهد خمسة كيلومترات.

زرقاء اليمامة وحدة بصيرتها:

زرقاء اليمامة وقوة بصيرتها (المصدر)

نستفاد من القصة السابقة أنه سواء كانت أبصارنا بقوة نظر زرقاء اليمامة، أو كنا ممن يعانون من عيب في البصر، علينا التذكر أن البصيرة والقدرة على التحليل هي النقط الأهم، فكثيرا ما رأت البصيرة ما عجز عن رؤيته البصر!

نجد هذا عندما حذرت قومها من الغزاة، وليس بالضرورة أن تكون فعلت ذلك ببصرها، بل ربما سمعت عن الغزاة من المسافرين أو الجواسيس، أو ربما كانت تريد من قومها البقاء على أتم استعداد وعدم التراخي حتى لا يكونوا لقمة سائغة لعدوهم. ولكن رأينا ماذا حدث لهم عندما سخروا منها ولم يأخذوا كلامها على محمل الجد مما أدى إلى هلاك قبيلتها وهلاكها هي شخصيا على الرغم من أن ليس لها ذنب فيما حدث على الإطلاق. لذلك، يجب علينا توخي الحذر دائما والتفكير بتمعن في أمور حياتنا ولا نتسرع في الحكم.

المزيد من المقالات