تحديات زراعة البن

تعدّ القهوة بمختلف أشكالها أحد أكثر المشروبات شعبية على مستوى العالم. تُحضّر القهوة من الحبوب المحمصة من نبات البنّ، الذي موطنه الأصلي إفريقية جنوب الصحراء الكبرى، ويُعتقد أن نبات البنّ اكتُشف في إثيوبية. وهناك أسطورة وطنية تنسب الفضل إلى راعي ماعز في اكتشاف إمكانات حبوب البنّ، إذ لاحظ مدى نشاط ماعزه بعد تناول حبوب من هذا النبات؛ ثمّ طحن الحبوب لتحضير مشروب منها. يزداد إنتاج البنّ سنويًا ليلبّي احتياجات عالمية متزايدة، فالبنّ هو ثاني أكبر سلعة يتم تصديرها في العالم بعد النفط. ولكن زراعته لا تخلو من مخاطر. في هذه المقالة نبين بعض التحديات التي تواجهها زراعة البنّ على الصعيد العالمي.

قليل من التاريخ:

بدأت زراعة البنّ في الشرق الأوسط. وبحلول القرن الخامس عشر، كانت المقاهي شائعة في جميع أنحاء تركية وبلاد فارس وسورية والجزيرة العربية. وصلت القهوة إلى أوروبة في القرن السادس عشر، لكن العديد من الأوروبيين رفضوها واعتبروها مشروبًا كافرًا. إلا أن البابا كليمنت الثامن (1536-1605) أعطى موافقته على القهوة بعد تجربة فنجان منها، وانتشر المشروب في جميع أنحاء أوروبة والأمريكيتين. وبحلول منتصف القرن السابع عشر، كان في لندن وحدها أكثر من 300 مقهى، يجتمع فيها العلماء والفنانون والكتاب والتجار والسياسيون لشرب القهوة طوال الليل.

أكبر الدول المنتجة للقهوة على مستوى العالم هي البرازيل وفيتنام وكولومبية. وأعلى استهلاك سنوي للفرد يحدث في الدول الاسكندنافية، حيث تجعل أشهر الشتاء الطويلة والمظلمة والباردة من القهوة مشروبًا عالي القيمة. في فنلندة مثلًا وهي موطن أكبر مستهلكي القهوة في العالم، يشرب الشخص وسطيًا ما يعادل 12 كغ من البن في العام.

صنفا البنّ الرئيسان

اليوم، يُزرع البنّ في حوالي 12.5 مليون مزرعة عبر "حزام الحبوب" - وهي منطقة من الأرض على جانبي خط الاستواء تتمتع بظروف مناخية وتربة مناسبة وتمتد على أكثر من 50 بلدًا. ما يقرب من 95% من مزارع البنّ تقل مساحتها عن 5 هكتارات.

entry-icon
entry-icon
entry-icon
entry-icon

قبل نهاية القرن التاسع عشر، كان صنف أرابيكا بالفعل المنتج الحصري لجميع أنواع البنّ في العالم،  لكن أول انتشار موثق لمرض صدأ أوراق البنّ أهلك المحاصيل في جميع أنحاء العالم، ما دفع العديد من المزارعين إلى استكشاف المحاصيل البديلة. وبدؤوا بإدخال صنف روبوستا، الذي يتميز بإنتاجية عالية من الثمار ومستوى عالٍ من المقاومة لمرض صدأ أوراق البنّ. لكن صنف روبوستا أقلّ جودة من أرابيكا الذي ما زال يشكل 62% من الإنتاج العالمي.

أبرز المشاكل:

صورة من unsplash

يكافح مزارعو البن من أصحاب الحيازات الصغيرة لكسب ما يكفي لمستوى معيشي لائق. تعد العديد من مناطق زراعة البنّ من بين النظم البيئية الأكثر تنوعًا بيولوجيًا في العالم. لكن هذا التنوع البيولوجي معرض للخطر لأن تغير المناخ يدفع مزارع البنّ إلى مناطق جديدة. يتوقَّع بحلول عام 2050، أن تفقد الدول الرئيسة المنتجة للقهوة ما بين 30 إلى 60% من الأراضي الصالحة لزراعة البنّ. هذا بالإضافة إلى المخاطر الصحيّة التي يتعرّض لها المزارعون والعمال على حدّ سواء. فيما يلي تفصيل هذه التحديات.

توزيع القيمة:

صورة من unsplash

تعود جذور المخاطر المذكورة أعلاه إلى التوزيع غير العادل للقيمة؛ فحبوب البنّ ينتجها ملايين المزارعين في مزارع صغيرة. وعلى الرغم من أن هذه المزارع تنتج حوالي ثلاثة أرباع البنّ في العالم، والربع المتبقي تنتجه المزارع الكبيرة، إلا أن أصحاب الحيازات الصغيرة لا يتمتعون بقدرة تفاوضية تذكر في سلاسل التوريد التي يهيمن عليها كبار المحامص والتجار. على سبيل المثال، يسيطر خمسة تجار بنّ فقط على نصف المحصول العالمي، في حين أن أكثر من ثلث البنّ في العالم يُحمّص في أكبر 10 محامص. وتتركّز تجارة البنّ في أيدي عدد قليل من كبار التجار والمحامص، وهم الذين يتحكّمون بالسعر ويفرضون شروط التجارة، كما يباع المنتج من قبل عدد صغير من تجار التجزئة لملايين المستهلكين. ومن ثمّ فإن معظم المكاسب يستولي عليها المحامص وكبار التجار، إضافة إلى تجار الجملة والتجزئة. ومع العولمة والتنافس العالمي على الأسعار بين الشركات الكبرى، يخشى المزارعون من زيادة الضغوط عليهم. لأن هذه الشركات لها تأثير كبير على نوعية القهوة التي ينتهي بها الأمر في المقاهي والمطاعم والمكاتب وحتى محلات البيع بالتجزئة.

تغير المناخ:

صورة من unsplash

تنتج زراعة البنّ انبعاثات غازات الدفيئة بسبب استخدام الأسمدة الآزوتية، وعدم كفاية إدارة مياه الصرف الصحي وتراجع الغابات. وتتفاقم البصمة الكربونية بسبب الانبعاثات الصادرة عن التربة والتقليم ومخلفات المحاصيل المتحللة على الأرض. على سبيل المثال، اللب، الناتج عن فصل حبوب البنّ الخضراء عن الثمار، ينبعث منه غاز الميثان ويلوث الماء والتربة، إذا لم يتم التعامل معه بشكل صحيح. غالبًا ما تكون انبعاثات الكربون ومواد التعبئة والتغليف والنفايات من قضايا الاستدامة البارزة في الأجزاء الوسطى والنهائية من سلاسل توريد القهوة أيضًا؛ إذ تنتج انبعاثات كربونية أثناء المعالجة وإنتاج التغليف والنقل والاستهلاك. فإذا أضفنا الآفات وأمراض النبات التي تقلل من إنتاجية البنّ أدركنا أيضًا خطورة التغيرات المناخية على هذا القطاع الاقتصادي.

المخاطر الصحية:

صورة من wikimedia

هناك العديد من المخاطر الصحية المرتبطة بالعمل في إنتاج البنّ وحصاده. وتشمل هذه المخاطر: رفع الأحمال الثقيلة، والعمل على منحدرات وارتفاعات عالية، والإصابات الناجمة عن الأدوات الحادة التي تستخدم لتقليم النبات، حيث لا يكون المزارعون والعمال مجهزين بمعدات الحماية الشخصية الكافية.

إضافة إلى ذلك، يعاني العديد من منتجي القهوة من التعرض للمبيدات الحشرية وغبار البنّ والشمس والحرارة. وهنا أيضًا لا يملك الكثير من المزارعين والعمال وسائل كافية من معدات رشّ حديثة، أو أحذية أو قبعات. علاوة على ذلك، تواجه العديد من مناطق زراعة البن أعمال عنف وأنشطة غير مشروعة مثل إنتاج المخدرات والاتجار بها، والتوترات العرقية.

ويتطلب الأمر تعاونًا ملموسًا بين جميع الشركات في سلاسل توريد القهوة والحكومات والمجتمع المدني لمعالجة هذه المخاطر والأسباب الجذرية.

المزيد من المقالات