أسطورة طائر العنقاء - خيال عربي أم خرافة غربية؟
ذُكر العنقاء كواحد من المستحيلات الثلاثة في الأمثال العربية القديمة. وفي الواقع أن هذا المخلوق الأسطوري تحديدًا ذُكر في العديد من القصص في مختلف الحضارات على مستوى العالم القديم. تُعد أسطورة طائر العنقاء من أقدم وأشهر الأساطير في العالم، حيث ظهرت صورته ورمزياته في حضارات وثقافات مختلفة عبر العصور. فتجده تارة في أساطير اليونان، وتارة في مصر القديمة، بل ويمتد ذكره في أقصى الشرق حيث الحضارة الصينية. واليوم نتعرف معًا على أصل هذه الأسطورة كواحدة من الأساطير العربية، أم هي أسطورة متعددة الحضارات؟
ما هي اصل أسطورة العنقاء؟
أصل الأسطورة غامض وقديم للغاية لدرجة أن لا يعرف احد له تاريخًا!
ونرى العديد من الحضارات تقول أن هذا الطائر جزء من ابتكارها أو كان يمثل عنصرًا هامًا في اساطيرها، وغير ذلك من ما يرمز إليه.
من المهم ملاحظة أنه كائنٌ أسطوري، لا يوجد دليل علمي على وجوده. لكنّ قصته ظلت حيةً عبر العصور، ترمز إلى الأمل والتجديد والنصر على الموت. وأخيرًا، يُمكن القول أنّ أصل الأسطورة مزيجٌ من ثقافاتٍ وحضاراتٍ مختلفة، وتُجسّد هذه الأسطورة قيمًا إنسانيةً ساميةً مازالت تُلهمنا حتى يومنا هذا.
مع مرور الوقت، تطورت رمزية العنقاء لتشمل معاني أعمق، وكان هذه أبرز ما يميزها في الحضارة الغربية.
الخلود والتجدد: تمثل القدرة على التجدد من الرماد رمزًا للخلود والبعث.
الجمال والقوة: تُوصف بأنها طائر جميل ذو ريش ملون وأجنحة قوية، مما يجعلها رمزًا للقوة والجمال.
الانتصار على الشدائد: تُمثل قدرتخ على النهوض من جديد بعد الموت رمزًا للأمل والقدرة على التغلب على الصعاب.
لا تزال أسطورة طائر العنقاء حيةً حتى يومنا هذا، وتُستخدم كرمز في الفنون والأدب والمجتمع. تُلهمنا هذه الأسطورة بقدرتها على التجدد والأمل، وتُذكّرنا بقدرة الإنسان على التغلب على الصعاب والنهوض من جديد.
العنقاء عند الحضارات القديمة
العنقاء عند الإغريق
ورد ذكر طائر العنقاء في كتابات هيرودوتس وبلينيوس، وتحديدًا في الأساطير الإغريقية، يُعرف طائر العنقاء باسم "فينيق" (Phoenix). حيث وصفوه كطائرٍ ضخمٍ بريشٍ ملونٍ ومنقارٍ ذهبيٍّ، يعيش لآلاف السنين. وذكروا أنّ العنقاء تبني عشها من أغصانٍ عودٍ ثم تُشعل فيه النار بنار مقدسة من الشمس، وتُحترق فيه لتُولد من جديد من رمادها.
ألهمت أسطورة العنقاء العديد من الفنانين والكتاب الإغريق. ظهرت صور العنقاء في الفنون الإغريقية، مثل الرسوم الجدارية والتماثيل والنقود المعدنية.
استخدم الإغريق رمز العنقاء في العديد من المجالات، مثل الدين والفلسفة والسياسة.
انتشرت أسطورة العنقاء إلى حضارات أخرى، مثل الحضارة المصرية والحضارة العربية، حيث تطورت رمزيتها لتشمل معاني أعمق.
العنقاء في الحضارة المصرية القديمة
يرتبط طائر العنقاء بطائر "بِنُو" المقدس في الحضارة المصرية القديمة، والذي كان رمزًا للخلود والشمس، ويظهر "بِنُو" على جداريات المعابد المصرية، وربط بعض العلماء اسمه بكلمة "وبن" المصرية التي تعني "الارتفاع".
العنقاء في الحضارة العربية
يقول المثل العربي الشهير القديم للغاية: المُستَحيلاتِ ثَّلاثة، وهيَ: الغُولُ، والعنقاءُ، والخِلُّ الوفِيّ.
وقد تندهش أن العنقاء ذكرت في كتب كثيرة قديمة، منها "عجئاب المخلوقات وغرائب الموجودات" للقزويني.
وانتشرت أسطورة العنقاء في العالم العربي من خلال كتابات الجاحظ والدميري وغيرهم. الذين وصفوا العنقاء كطائرٍ فريدٍ له خصائص خارقة، مثل قوته الخارقة وجماله الساحر وقدرته على الشفاء من الأمراض. ارتبط الطائر الأسطوري أيضًا في الثقافة العربية بالخلود والبعث والحكمة.
وربما كان هذا السبب الرئيسي في ذكره في المثل العربي القديم الشهير، لأن الخلود في الثقافة العربية لا يمتلكه مخلوق أيا كان نوعه.
ونلاحظ هنا انها تتشابه في الكثير من التفاصيل التي تم ذكرها في الكتب العربية مع تفاصيل وصفها في الحضارة الإغريقية. مما قد يدل على أنها ليست أسطورة عربية أو شرقية خالصة.
بل امتد ربطها مع ذكر قصة حدثت لها مع النبي سليمان - عليه السلام - عن القضاء والقدر، ونذكر هنا هذه القصة، مع العلم أن التفاصيل قد تكون مختلفة من مصدر لآخر…
تُروى قصةٌ عن حوار جرى بين النبي سليمان عليه السلام وطائر العنقاء، تتعلق بالإيمان بالقضاء والقدر.
تختلف روايات القصة وتفاصيلها، لكن أغلبها يضم تفاصيل وأحداث مقصود منها المعنى نفسه الذي سوف نلاحظه في النهاية. ومنها نذكر هذه النسخة:
كان النبي سليمان يجلس مع ملوك الجن والشياطين، وقد سخّرت له جميع المخلوقات.
حضر طائر العنقاء هذا الاجتماع، وسمع النبي سليمان يتحدث عن قدرة الله تعالى وعظمته.
تحدّت العنقاء النبي سليمان، قائلةً: "ما هذا القدر الذي تتحدث عنه؟ أنا أتحكم بحياتي ومصيري، وأستطيع أن أُجدد نفسي من الرماد."
غضب النبي سليمان من تحدّي العنقاء، وأمر الرياح بحملها وإلقائها في بحرٍ بعيد.
بعد مضيّ زمن طويل، أمر النبي سليمان الرياح بإعادة العنقاء إليه.
عادت العنقاء وقد تغيرت حالتها، فصارت ضعيفة وذابلة.
سألها النبي سليمان عن سبب تغيرها، فأجابت: "يا نبي الله، عندما ألقيتني في البحر، عرفتُ عظمة قدر الله. لقد حاولتُ بكل قوتي أن أُقاوم التيار، لكنني لم أتمكن من ذلك. أدركتُ حينها أن لا شيء يحدث إلا بإرادة الله تعالى."
من خلال هذه القصة، أراد النبي سليمان عليه السلام أن يُعلّم العنقاء، وجميع من حضر المجلس، درسًا إيمانيًا مهمًا عن عظمة الله تعالى وقدرته المطلقة.
تُعدّ هذه القصة من أشهر القصص التي تُروى عن اسطورة العنقاء في العالم الشرقي، وتُستخدم كرمزٍ للإيمان بالقضاء والقدر، والتسليم لإرادة الله تعالى. وهذا المعنى هو الأشهر تداولًا في الكتب العربية القديمة.
من الهام أن نذكر أن ليس هناك سند علمي أو تاريخي أو ديني لهذه القصة، ولكن نطرحها هنا لأنه ذُكرت في التراث العربي كأسطورة، وكذلك لذكر المغزي منها.