معركة الملوك الثلاثة على أراضي المغرب

إن معركة الملوك الثلاثة، المعروفة أيضا بمعركة وادي المخازن، من أهم المعارك التي وقعت على أرض المغرب، حيث توفى فيها ثلاثة ملوك وهو حدث غير متوقع بالمرة! فتلك المعركة الملحمية أبرزت مدى قوة وتمسك المغاربة بأرضهم، بالإضافة إلى شجاعتهم وشموخهم ودهائهم في التخطيط ووضع ستراتيجية الحرب. هذه المعركة التاريخية لها وقع خاص على التاريخ المغربي سنتعرف عليه في هذه المقالة.

ما وراء الكواليس:

لقد تم اغتيال السلطان الغالب في سنة 1547م وتولي ابنه السلطان محمد المتوكل الحكم. فر وقتها أخوة السلطان الغالب، أحمد المنصور وعبد الملك، خوفا من تهديدات المتوكل لكي يضمن توريث ابنه الحكم، واستقبلهما حينها العثمانيون حيث قاموا بتدريبهما وتدريسهما حتى قاما بالمشاركة في بعض المعارك، ونالا من خلالهم إعجاب السلطان العثماني مراد الثالث.

وفي سنة 1576 انتهز السلطان العثماني مراد الثالث فرصة دخول إسبانيا في حرب مع إنجلترا وقام بتحضير جيش مكون من آلاف الجنود تحت قيادة عبد الملك. ومن هنا استعان المتوكل بالبرتغال ليحل ضيفا على الملك الشاب سيباستيان، حيث طلب منه المساعدة مقابل سيطرة البرتغال على سواحل المغرب، العرض الذي لم يتردد الملك سيباستيان في قبوله رغم تحذيرات خاله، ملك اسبانيا، من عدم الدخول إليها لأنه محتوم بالخسارة.

أحداث معركة الملوك الثلاثة:

عبر جيش سيباستيان إلى المغرب من البحر المتوسط، يوم 9 يوليو 1578، قوامه بـ28 ألف جندي مكونين من جنود برتغاليين بالإضافة إلى الإسبان، والمرتزقة الإيطاليين والألمان، وجنود الفاتيكان في 1500 مقاتل، إضافة إلى المتوكل وصحبته. وأخذوا بعدها يعيثون في البلاد تقتيلا ويتقدمون محتلين مدينة تلو أخرى.

entry-icon
entry-icon
entry-icon
entry-icon

أمام هذه الواقعة راسل عبد الملك سيباستيان قائلا: "إن سطوتك قد ظهرت في خروجك من أرضك وجوازك البحر إلى عدوة المسلمين، فإن ثبت في الساحل إلى أن أتقدم عليك فأنت نصراني حقيقي شجاع، وإن زحفت إلى البلاد وحقرت بعد الرعية قبل أن يقابلك أمير مثلك فأنت كلب ابن كلب"، وفي رواية أرى "يهودي ابن يهودي". غضب سيباستيان غضبا شديدا وعاند الأمير، مع تحذيرات قادته بضرورة التقدم والسيطرة على مواقع استراتيجية.

علم حين ذاك عبد الملك أن سيباستيان غر، وسهل استفزازه، فراسله مرة أخرى قائلًا: "إني جئتك راحلا من مراكش ست عشرة مرحلة، وأنت لم تدن إلي ولا مرحلة". وقد كانت حركة استدراج ناجحة منه، إذ نزل وفقا للتحدي ملك البرتغال عن تحصيناته عابرا وادي المخازن. وفي الليل حمل السلطان المغربي أخاه أحمد المنصور على قيادة فرقة مسلحة لهدم القنطرة الوحيدة التي عبر منها جيش سيباستيان.

في 4 أغسطس 1578 دقت ساعة الحرب والتقى الجيشان قرب وادي المخازن. افتتح عبد الملك كلمته بالرفع من معنويات جنوده عبر تذكيرهم برمزية المعركة وكونهم يدافعون عن أرضهم وأولادهم ضد الغزاة، رغم حقيقة أن عبد الملك كان يعيش آخر لحظاته. حاول طبيبه إقناعه بعدم المشاركة لكنه أصر على أن يرأس الحرب حفاظا على معنويات الجيش إلى آخر نفس، أمر كان أخوه أحمد المنصور على دراية به وأوصاه عبد الملك بأن يحارب حتى آخر وقت بدون تراجع.

في هذه الأثناء اشتدت الحرب واحتمت، كان فارق العدد شاسعا في الساحة، وظهرت أخطاء الملك سيباستيان الذي لم يؤمن ممرا للتراجع أو لإعادة الانتشار، بالإضافة إلى هذا، الحرارة التي لم يستحمل الجنود الحرارة الغير معتادة عليهم بملابسهم الحديدية. أعطى السلطان عبد الملك الإشارة لأخيه أحمد المنصور، حيث قام بعملية التفاف مع فرسانه، حوصر من خلالها العدو، وعندما حل الليل كان قد قتل الآلاف من الغزاة وتم أسر الآخرون، اما المتوكل فيقال أنه سقط في المعركة أو أنه غرق هاربا في الوادي.

لكن للأسف، المرض اشتد على السلطان عبد الملك ولم يقدر على الاحتفال مع أنصاره ولفظ أنفاسه الأخيرة في ساحة المعركة بعد أن أكمل مهمته، ليتسلم بعدها الحكم أخوه السلطان أحمد المنصور، ليحكم لحوالي ربع قرن عاشت من خلالها المغرب ابهى الأيام والرخاء والعلم والقوة والعمران ليصبح أشهر سلطان سعدي تولى الحكم في المغرب.

المزيد من المقالات