ما الذي تفعله أسماك القرش الأبيض في أعماق المحيط؟ هل لها حياة سريّة؟

ليس هناك من وحش تم تصويره أكثر رعبًا من تصوّرات العقل البشري. وهذا هو السبب الذي يجعل صانعي الأفلام غالبًا ما يبقون مخلوقاتهم بعيدًا عن الكاميرة. جميعنا يعرف كيف يبدو القرش الأبيض، لكنّ المرعب فيه هو أنه دائمًا غير مرئي، ودائمًا كامن بعيدًا عن الأنظار. وهذا يعني أنه يمكن أن يكون في أي مكان وفي أي وقت. الشيء الوحيد الأكثر رعبًا من رؤية سمكة قرش في الماء هو عدم القدرة على رؤيتها.

الدراسة:

في اكتشاف حير العلماء، أظهرت دراسة جديدة، نشرت في مجلّة Proceedings of the National Academy of Sciences ، بيانات من 12 نوعًا من الأسماك المفترسة الكبيرة، بما في ذلك أسماك القرش الأبيض، أنها تقضي أوقاتًا طويلة في أعماق المحيط السحيقة، بعيدًا عن الأعماق الضحلة التي تصطاد فيها. من المعروف أن القرش الأبيض يتردد في الغالب على المياه الضحلة (والتي تصل إلى نحو 200 متر تحت سطح البحر) على طول السواحل في المناطق المعتدلة من العالم، ويصطاد فيها. ولكن ما الذي يجعله يذهب للتسكع ليس فقط في المنطقة المعروفة باسم منطقة الشفق (والتي تمتد بين أعماق 200 إلى 1000 متر)، بل شوهدت أيضًا في المنطقة المعروفة باسم منطقة منتصف الليل، (والتي تمتد بين أعماق 1000 إلى 3000 متر) تحت سطح المحيط؟

كجزء من الدراسة، قام الباحثون بوسم 344 من الأسماك المفترسة إلكترونيًا (بما في ذلك أسماك القرش البيضاء الكبيرة (Carcharodon carcharias)، وأسماك القرش النمر (Galeocerdo cuvier)، وأسماك قرش الحوت (Rhincodon typus)، وأسماك التونة الصفراء (Thunnus albacares) وأسماك أبو سيف (Xiphias Gladius) )، وتتبّع تحركاتها بالأقمار الاصطناعية. وبذلك جمعوا ما يقرب من 47000 يوم تراكميّ من البيانات، بمتوسط 136 يومًا لكل فرد. ثمّ طابقوا أنماط الغوص للأسماك الموسومة مع بيانات السونار للنظام البيئي على متن السفينة لتحديد الأنواع التي تغوص بانتظام في أعماق منطقتي الشفق ومنتصف الليل.

الفرضية الأولية:

من الواضح أن هناك أسبابًا وجيهة تدفع هذه الحيوانات إلى الغوص عميقًا، وإلا فلماذا تفعل ذلك جميعها؟ كانت الفرضية الأولى لتفسير هذا السلوك هي أن هذه الحيوانات المفترسة كانت تطارد الأسماك والكائنات التي تعيش فيما يعرف بطبقة التشتّت العميقة. سُمّيت طبقة التشتّت العميقة (Deep Scattering Layer - DSL) بهذا الاسم بسبب الطريقة التي تم اكتشافها بها؛ فعندما ابتكر العلماء السونار لأول مرة وبدأوا في استكشاف الأعماق، لاحظوا أنّ الإشارات كانت ترتدّ من عمق معين ظنّوه أوّلًا قاع المحيط. ولكنهم أدركوا لاحقًا أنه لم يكن قاع المحيط، بل طبقة من الأسماك والقشريات والحيوانات الأخرى التي تعيش معلّقة في عمود الماء. تمتلئ طبقة المحيط هذه بكثافة كبيرة بالكائنات البحرية، لدرجة أنّ هذا أدّى إلى الخلط بينها وبين قاع المحيط. ترتفع هذه الكائنات إلى السطح ليلاً لتتغذى، ثم تنزل مرة أخرى إلى منطقة الشفق في النهار. ولذلك كانت متابعة الأسماك المفترسة إلى طبقة التشتّت العميقة مؤشّرًا أوّليًا على أن هذه المفترسات البحرية تغوص لكي تتغذّى على تلك الكائنات.

entry-icon
entry-icon
entry-icon
entry-icon

يقول مؤلفو الدراسة "إنّ هناك أدلّة جيدة على بعض الأنواع/المواقف التي يكون فيها الغوص إلى هذه الطبقة العميقة فعلًا من أجل البحث عن الطعام، وهذا يدعم توقعاتنا. ولكننا نجد أيضًا العديد من الحالات التي يمكن أن نجزم فيها بشكل قاطع أن استخدام أعماق المحيط ليس للتغذية - أو إذا كان الأمر كذلك، فإنه يمثل نوعًا مختلفًا تمامًا من التفاعل بين المفترس والفريسة، أو ربما مصدرًا غامضًا للفرائس".

فرضية بديلة:

الصورة عبر Tomas Gonzalez de Rosenzweig على Unsplash

في الواقع، تم تتبّع أسماك القرش البيضاء وهي تغوص حتى عمق أكثر من 1100 مترًا، بينما تم تتبّع أسماك قرش الحوت وسمك أبو سيف وهي تغوص حتى عمق 2000 متر تقريبًا. ومن الجدير بالذكر أنه على الرغم من أن جميع الأنواع التي شملتها الدراسة كانت من الأسماك، إلا أنها لا يرتبط بعضها بالبعض الآخر إلا بقرابة بعيدة، ولدى كل منها استراتيجيات تطوريّة مختلفة تمامًا (ما ينفي العامل الوراثي إلى حدّ ما). ليس من الواضح على وجه التحديد سبب قيام هذه الحيوانات المفترسة بالغوص عميقًا جدًا. يشير الباحثون إلى أن ذلك قد يكون وسيلة لتجنب الحيوانات المفترسة الأخرى أو لكي يساعدها الغوص في الملاحة. ولكن لا ننس أن ذلك يعني عبور مياه مظلمة وباردة وذات ضغط عال. ولذلك يجب أن يكون لديها سبب وجيه حقًا.

من الممكن أن تكون الفرضية الأولية (الغوص من أجل الغذاء) صحيحة بالنسبة لجميع الأنواع الـ 12، وأن عمليات الغطس هذه تسعى إلى الحصول على مصدر غذائي غير معروف. وبعبارة أخرى، قد تكون هناك كتلة غير معروفة حتى الآن من الأسماك والحيوانات الأخرى مختبئة في الأعماق. وإذا تبيّن أن هناك بالفعل كتلة حيوية في منطقة الشفق أكبر من جميع مناطق صيد الأسماك البحرية الحالية مجتمعة، فمن الممكن تخيل نوع من "الاندفاع نحو الذهب" في أعماق البحار لصيد هذه الكتلة الحيوية واستخدامها. ويحثّ الباحثون هنا على توخي الحذر إذا تبيّن أن هذا هو الحال. "لقد وجدنا أن منطقة الأعماق المتوسطة توفر دعمًا مهمًا لأجزاء أخرى من المحيط. إذا بدأنا في استغلال هذه النظم البيئية في أعماق البحار قبل أن نعرف ماهيّتها فعلًا، فهناك خطر كبير حقًا في التسبب بأضرار لا يمكن عكسها بسهولة: "نحن لا نعرف ما الذي تفعله أسماك القرش وأبو سيف هناك، ولكن نظرًا لسجلّنا الحافل باستغلال كل بيئة رأيناها، ربما يكون من الأفضل أن نتركها وشأنها".

المزيد من المقالات