الصورة عبر picryl
الصورة عبر picryl

لقد ساهم نهرا دجلة والفرات، اللذان يشار إليهما غالباً على أنهما مهد الحضارة، في الحفاظ على حياة الإنسان، وتشكيل مسار التاريخ لآلاف السنين في منطقة بلاد ما بين النهرين القديمة. ويعتقد البعض أن حوض الرافدين قد شهد بداية الاستيطان البشري، وانتقال الإنسان من مرحلة الصيد والقطاف إلى مرحلة الاستقرار والتحضّر. تُسمى هذه المنطقة "الهلال الخصيب" بسبب تربتها الغنية، كما يُطلق عليها غالباً "مهد الحضارة"، وهي تقع في جنوب غرب آسيا. ونظراً لوفرة المياه نسبياً فيها، فقد احتضنت أقدم الحضارات السومرية والأكادية والبابلية والآشورية. ساعدت وفرة المياه في نمو الزراعة والتجارة، وسرعان ما جلبت ثروات هذه المنطقة المسافرين من وإلى منطقة الهلال الخصيب. وأدى ذلك إلى تبادل الثقافة والأفكار والتقدم في المنطقة، حيث تطورت الكتابة المسمارية، والرياضيات، والدين سريعاً هناك. ومع مرور الوقت، ظهرت تحديات في منطقة الهلال الخصيب، بسبب اعتماد كل من تركيا وسوريا والعراق على المياه المتدفقة في المنطقة. كما أدى تزايد عدد السكان والطلب على مياه الأنهار بسبب التحضُّر إلى استنفاد التربة التي كانت خصبة في السابق. وأدى بناء السدود المتعددة إلى زيادة الضغط على المنطقة، مما تسبب في انخفاض إنتاج المياه وجودتها، وضرورة التفاوض بين الدول التي تستخدم نهري دجلة والفرات على حلول لضمان حصول كل منها على المياه اللازمة. ورغم انتشار منطقة الهلال الخصيب حالياً على عدة دول، فإنها تبقى مهد الحضارة. تتناول هذه المقالة أهمية نظام نهري دجلة والفرات، ودراسة أصولهما ومسارهما والبلدان التي يعبرانها، وتأثيرهما العميق على تطور الحضارات القديمة، وعلى الرفاهية الخالية والمستقبلية لشعوب المنطقة.

ADVERTISEMENT

1. منبع نهري دجلة والفرات:

الصورة عبر Wikimedia Commons
الصورة عبر Wikimedia Commons

ترجع أصول نهري دجلة والفرات، ومنابعهما إلى جبال شرق تركيا. ويساهم ذوبان الثلوج والأمطار في تغذية هذين النهرين واستدامة تدفقهما على مدار العام. ومن هنا، يأتي دور تركيا، كدولة المنبع، في التأثير على تقاسم حصة الدول المتشاركة في مياه هذين النهرين.

2. مسار نهري دجلة والفرات:

الصورة عبر wikipedia
الصورة عبر wikipedia

يمرّ مسار نهري دجلة والفرات أثناء تعرجهما عبر ثلاث دول هي تركيا وسوريا والعراق الحديثة. ينبع نهرا دجلة والفرات من منطقة شرق تركيا، ويمرّ نهر دجلة على الحدود الشمالية الشرقية لسوريا، ويجتاز العراق من شماله إلى جنوبه ماراً بالعاصمة بغداد، ليصبّ أخيراً في الخليج بعد أن يلتقي بنهر الفرات، ويُشكّلان ما يُسمى بـ شط العرب في القرنة. أما نهر الفرات، فهو يجتاز الثلث الشمالي الشرقي لسوريا بدءاً من نقطة قرقميش، ويرفده نهرا الخابور والبليخ قبل أن يصل إلى مدينة دير الزور، ومنها إلى العراق، حيث يمرّ أيضاً بالعاصمة بغداد، متجهاً نحو الجنوب، ليرفد نهر دجلة في شط العرب.

ADVERTISEMENT

من هنا، يكون حوض دجلة والفرات حوضاً عابراً للحدود يغطي مساحة تبلغ نحو 880 ألف كيلومتراً مربعاً، وتتوزع هذه المساحة بين العراق بنسبة (46%) وتركيا (2222%) وإيران (19%) وسوريا (11%) والمملكة العربية السعودية (1.9%) والأردن (0.03%).

وهكذا، تتشارك تركيا وسوريا والعراق في نهري دجلة والفرات، وتستفيد من مياههما في الزراعة وتوليد الكهرباء استناداً إلى اتفاقيات ثنائية بينها. وتَعدّ الثقافة البابلية الفرات هبة من الآلهة، وتقول إحدى قصائدهم: أيها النهر، خالق كل شيء، عندما شقت الآلهة سريرك، فقد انتشر الازدهار على ضفافك.

3. طول نهري دجلة والفرات:

الصورة عبر academic
الصورة عبر academic

يتدفق نهرا دجلة والفرات، اللذان ينبعان من جبال تركيا، بطول إجمالي يبلغ حوالي 4850 كيلومتر. ويمتد نهر الفرات، وهو الأطول بين النهرين، لنحو 3000 كيلومتر، بينما يمتد نهر دجلة لنحو 1850 كيلومتر. يتمتع كلا النهرين بمعدلات تدفق متفاوتة على مدار العام، وتتأثر إلى حد كبير بالتغيرات الموسمية وذوبان الثلوج وهطول الأمطار. ولا يدعم تدفقها النظم البيئية على طول ضفافها فحسب، بل يدعم أيضاً اقتصادات وسبل عيش الملايين من الناس.

ADVERTISEMENT

4. الدول الواقعة على طول نهري دجلة والفرات:

الصورة عبر wikipedia
الصورة عبر wikipedia

ينبع نهرا دجلة والفرات من منطقة شرق تركيا، ويمرّ مسار نهري دجلة والفرات أثناء تعرجهما عبر ثلاث دول هي تركيا وسوريا والعراق الحديثة. وتتزايد أهمية هذين النهرين من خلال البنية التحتية المبنية حولهما. فعلى مر القرون، قامت الحضارات ببناء شبكة معقدة من السدود والقنوات وأنظمة الري لتسخير موارد النهرين للأغراض الزراعية والصناعية والمنزلية. على سبيل المثال، ينظم سد أتاتورك في تركيا تدفق نهر الفرات، ويوفر المياه للري وتوليد الطاقة الكهرومائية. وعلى نحو مماثل، أحيا سد الطبقة في سوريا منطقة الرقة، وساهم في زيادة الإنتاج الزراعي، وتوليد الكهرباء، والتحكم بفيضان نهر الفرات. ويستخدم سد الموصل في العراق نهر دجلة للري وإنتاج الكهرباء، وهو بمثابة جزء بالغ الأهمية من البنية التحتية للمنطقة.

ADVERTISEMENT

5. معدل تدفق نهري دجلة والفرات:

الصورة عبر Wikimedia Commons
الصورة عبر Wikimedia Commons

يتعلّق معدل تدفق نهري دجلة والفرات بعوامل متعددة أهمها هطول الأمطار، وبناء السدود في كل دولة، ولا سيما دولة المنبع، وممارسات الري على طول النهرين. وتؤثّر التغيرات الموسمية في معدل التدفق على الزراعة وإمدادات المياه وصحة النظام البيئي في حوض النهرين. ويتراوح معدل تدفق نهر الفرات بين 30 و84 كيلومتر مكعب. بالمقابل، يُقدّر معدل تدفق نهر دجلة إلى العراق بنحو 21 كيلومتر مكعب. وقد تسبَّب انخفاض معدل تدفق النهرين بعدد من الآثار البيئية والمجتمعية مثل، تلوث المياه، ونزوح عدد من السكان، وتسرّب الملوحة، وانعدام الأمن الغذائي وعدم الاستقرار الاقتصادي.

6. الأهمية الاقتصادية والسياسية لنهري دجلة والفرات:

الصورة عبر wikipedia
الصورة عبر wikipedia

الزراعة:

ازدهرت الزراعة في حوض نهري دجلة والفرات منذ آلاف السنين، وذلك بسبب التربة الخصبة وإمدادات المياه الوفيرة التي يوفرها النهران. وشهدت منطقة بلاد ما بين النهرين، والتي يشار إليها غالباً باسم "مهد الحضارة"، ظهور الحضارات القديمة مثل سومر وآشور وبابل، والتي اعتمدت جميعها على مباه النهرين في الزراعة. واليوم، يستمر هذان النهران في الحفاظ على مشاريع ونشاطات زراعية واسعة النطاق، حيث تتم زراعة محاصيل مثل القمح والشعير والقطن والأرز على طول ضفافهما.

ADVERTISEMENT
الصورة عبر pressbooks
الصورة عبر pressbooks

إنتاج الكهرباء:

إلى جانب الزراعة، يلعب نهرا دجلة والفرات دوراً حاسماً في إنتاج الكهرباء في المنطقة. وتقوم محطات الطاقة الكهرومائية، مثل سد الطبقة في سوريا وسد حديثة في العراق، وسد أتاتورك في تركيا بتسخير طاقة النهرين لتوليد الكهرباء، مما يساهم بشكل كبير في إمدادات الطاقة لهذه البلدان. ولا يقلل مصدر الطاقة المتجددة هذا من الاعتماد على الوقود الأحفوري فحسب، بل يوفر أيضاً مصدراً موثوقاً ونظيفاً نسبياً للكهرباء.

7. الصراعات السياسية والاقتصادية- تقاسم المياه والديناميكيات السياسية:

الصورة عبر flickr
الصورة عبر flickr

يعد نهرا دجلة والفرات بمثابة شريان الحياة للعديد من البلدان، مما يجعل تقاسم المياه قضية مهمة في المنطقة. وقد أثارت مشاريع السدود الواسعة في دولة المنبع تركيا، مثل مشروع جنوب شرق الأناضول، في بعض الأحيان المخاوف بين دول المصب مثل سوريا والعراق بشأن ندرة المياه وانخفاض التدفق. ولقد أصبح التوزيع العادل للموارد المائية مسألة دبلوماسية وسياسية حساسة، وغالباً ما تؤثر على الديناميكيات والعلاقات الإقليمية. ويمكن الرجوع إلى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية لحل الخلافات بين دول نهري دجلة والفرات، كما يمكن للمنظمات الدولية والدول المجاورة التوسط في النزاعات وتعزيز التعاون في إدارة نظام النهرين.

ADVERTISEMENT

الخلاصة:

الصورة عبر Wikimedia Commons
الصورة عبر Wikimedia Commons

إن نظام نهري دجلة والفرات هو أكثر من مجرد ميزة جغرافية؛ فهو شريان الحياة للدول التي يتدفق عبرها. ومن نشأة الحضارات القديمة، واستدامة الزراعة وتوفير الكهرباء، إلى التأثير على الجغرافيا السياسية، لعب هذان النهران دوراً مركزياً في تاريخ الشرق الأوسط وتطوره. وإدراكاً لأهميتهما، يصبح من الضروري على دول المنطقة إعطاء الأولوية للإدارة المستدامة، والتوزيع العادل لموارد المياه لضمان ازدهار ورفاهية الأجيال الحالية والمستقبلية. إن الاستثمار الأمثل لمياه نهري دجلة والفرات يُمثّل فرصة تعاون بين دول المنطقة لخدمة خططها المستقبلية، وتبني سياسة رابح- رابح بدلاً من تصعيد التوتر والنزاعات الخاسرة.

المزيد من المقالات