دليل موجز لظاهرة متلازمة فلورنسا

إذا كانت لديك موهبة كبيرة في الفن، فلا يوجد شعورٌ يعادل كونَك قادرًا على تقدير أرقى الحرف والمهارات المرئيّة التي وقعت عيناك عليها على الإطلاق. مع تطور عقول الناس على مدار التاريخ، تتطور أيضًا أنواع الفن الذي يعملون عليه. الأمر الأكثر إثارة للإعجاب من تنوع الروائع التي ابتكرها الناس هو تأثيرها الثقيل على ذهن المرء.

متلازمة فلورنس - المعروفة أكثر باسم متلازمة ستندال و/أو فرط ثقافة الدم، هي اضطراب نفسي جسدي "يسبب سرعة ضربات القلب، والدوخة، والإغماء، والارتباك، وحتى الهلوسة عندما يتعرض الفرد لتجربة ذات أهمية شخصية كبيرة، وخاصة مشاهدة الفن". "الجنون المؤقت" ليس سوى واحد من العديد من الأعراض الشديدة المرتبطة بهذا الاضطراب.

مصدر الداء

تمّت صياغة مصطلح "متلازمة فلورنسا" في عام 1817 من قبل المؤلِّف الفرنسي هنري ماري بيل في القرن التاسع عشر، واسمه المستعار "ستندال"، حيث تمّت تسمية المُصطلَح على اسم تجربة سلبية مرّ بها المؤلِّف عندما كان يبلغ من العمر 34 عامًا أثناء زيارته لكاتدرائية سانتا كروس في فلورنسا. هناك، تركت لوحات جيوتو الجدارية الشهيرة على السقف انطباعًا عميقًا على ستندال، حيث قال: ’’كنت في نوع من النشوة، من فكرة التواجد في فلورنسا، بالقرب من الرجال العظماء الذين رأيت مقابرهم. منغمسًا في التأمّل في الجمال السامي... وصلت إلى النقطة التي يواجه فيها المرءُ أحاسيسَ سماوية... كلّ شيء كان يتحدث بوضوح إلى روحي. آه، لو كان بإمكاني أن أنسى فقط. كان لدي خفقان في القلب، وهو ما يسمّونه في برلين "الأعصاب". لقد استُنزِفت الحياة مني. مشيت وأنا خائف من السقوط‘‘.

entry-icon
entry-icon
entry-icon
entry-icon

التأثير وراء الاسم

الصورة عبر unsplash

تمّ تسجيل تجارب ستندال في كتابه الذي يحمل عنوان نابولي وفلورنسا: رحلة من ميلانو إلى ريجيو. منذ أن شارك المؤلِّف تجاربَه، حدثت حوادث ذات صلة بالمُتلازِمة، وحدث معظمها في معرض أوفيزي الشهير على نطاق واسع في فلورنسا. في نهاية المطاف، أُعطيت هذه الحالةُ اسمَها (متلازمة فلورنسا) من قبل الطبيبة النفسيّة الإيطاليّة الدكتورة غرازييلا ماغيريني خلال فترة عملها كرئيس لقسم الطب النفسي في مستشفى سانتا ماريا نوفا في فلورنسا في عام 1979. وتبين أن تشخيصات الطبيبة للسيّاح الذين يزورون فلورنسا كانت متسقة للغاية: الذعر وهجمات ونوبات قصيرة من الهستيريا.

أطلقت ماغيريني على هذا الاضطراب اسمَ نفسِ التجارب التي مرّ بها المؤلِّف الفرنسي أثناء زيارته، وسجلت فيما بعد أكثر من 90 حالة، معظمها لأولئك الذين دخلوا المستشفى بين عامي 1977 و1986. كلّ هذا كتبته في كتابها متلازمة ستيندال La Sindrome di Stendhal الصادر عام 1989. وبحسب ماغيريني، تمّ تعريف المتلازمة على أنها "اضطراب عقلي أو نفسي كامن يتجلّى كردّ فعل على لوحات المعارك أو غيرها من الروائع".

أنواع متلازمة ستندال

الصورة عبر unsplash

تم توثيق 106 حالة من قبل الدكتورة ماغيريني وتمّ تصنيفها إلى ثلاثة (3) أنواع: النوع الأول: لوحظت أعراض ذهانية لدى 70 مريضًا، والتي تشمل جنون العظمة والهلوسة والأصوات غير المتجسدة. النوع الثاني: تمّت ملاحظة الاكتئاب والقلق والأعراض العاطفية الأخرى لدى 31 مريضًا. النوع 3: تمّ توثيق القلق الجسدي لدى 5 مرضى، والذي يشمل الحزن الطويل والتهيج ونوبات الذعر.

وفقًا لماجيريني، كانت المشكلات النفسية السابقة موجودة بالفعل في 38% من مرضى النوع الأول، في حين أن ما يزيد قليلًا عن نصف مرضى النوع الثاني كانوا يعانون منها أيضًا. كان هناك عدد قليل جدًا من المنشورات عن أعمال ستندال، ولكن ظهرت حالة حديثة في عام 2009، والتي نشرها الدكتور تيموثي نيكلسون وبعض زملائه في المجلة الطبية البريطانية "تقارير حالات Case Reports". شهدت هذه الحالة بالذات تطوّر ذهانٍ عابِرٍ بجنون العظمة لدى رجل يبلغ من العمر 72 عامًا بعد التعرّف على ثقافة فلورنسا.

حالات أخرى مماثلة

الصورة عبر unsplash

في بحث نشره جراح الأعصاب البرازيلي إدسون أمانسيو عام 2005، كان هناك دليل على أن الروائي الروسي فيودور دوستويفسكي عانى من متلازمة ستندال عندما كان ينظر إلى لوحة هانز هولباين "المسيح الميت" أثناء زيارته للمتحف في بازل. وفي قضية أخرى في عدد 2010 من "المجلة البريطانية للممارسة العامة British Journal of General Practice "، زعم الدكتور إيان بامفورث أن مارسيل بروست كان يعاني أيضًا من نوبة من متلازمة فلورنس في وقت ما، وأن سيغموند فرويد وكارل يونغ، وكلاهما من علماء النفس، قد لاحظا تجاربَ تناسب وصفَ نفس المتلازمة.

على الرغم من أن متلازمة ستندال قد تم تصنيفها من قبل العديد من الخبراء الطبيين والأطباء النفسيين كاضطراب، إلّا أنه لم يتم الاعتراف بها بَعْد من قبل "الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية" التابع للجمعية الأمريكية للطب النفسي. ووفقا لتقرير من صحيفة ديلي تلغراف، يعمل فريق إيطالي حاليّا على التشخيص المناسب من خلال مراقبة ردود أفعال السيّاح أثناء إلقاء نظرة على الأعمال الفنية المعروضة في قصر ميديشي في فلورنسا.

المزيد من المقالات