تسعة أدمغة وثلاثة قلوب وحقائق غريبة أخرى عن الأخطبوطات

يبدو أنّ الأخطبوطات -تلك رأسيات الأرجل التي تتميّز بالذكاء جنباً إلى جنب مع الغرابة- تجسّد كلَّ ما هو مخيفٌ وغامضٌ فيما يتعلَّق بالبحر، وفكرة وجود أجسادها الإسفنجية الناعمة كامنةً في المناطق المظلمة للمحيطات كانت مصدر الإلهام لتخيّل وحوشٍ عديدةٍ امتدّ نطاقها من الكراكن Kraken إلى لوسكا Lusca منطقة البحر الكاريبي. السمة الأكثر ظهوراً للعيان في الأخطبوط هي وجود الأذرع الثمانية، ولكن تحت جلده المرقّش توجد في الواقع مجموعةٌ من الأدمغة، واحدٌ لكلِّ مجسٍّ من المجسّات. وهل تعلم كم يبلغ بالضبط عدد قلوب الأخطبوط؟ الجواب مفاجئٌ إلى حدٍّ كبير إذْ أنه ثلاثة. ولكلٍّ من هذه القلوب الثلاثة وظيفةٌ هامّةٌ خاصّةٌ به، لذلك هي ليست مجرّد قطع غيارٍ احتياطيةٍ بعضها لبعض. جميع هذه الحقائق ليست سوى القمة الظاهرة لجبل الجليد أي لهذا المخلوق الذي يُعتبَر واحداً من أكثر المخلوقات الموجودة تحت سطح البحر تميّزاً.

الأخطبوط لديه ثلاثة قلوب.

ليس لدى الأخطبوط قلبٌ واحدٌ، بل ثلاثة قلوب. اثنان منها –وهما القلبان الخيشوميان– يضخّان الدم إلى الخياشيم حيث يتمّ التقاط الأكسجين. أمّا القلب الثالث -أو القلب الجهازي- فيضخّ الدم المؤكسج إلى جميع أنحاء الجسم، وهذا ما يوفّر التغذية اللازمة للمجسّات الثمانية من أجل كلّ ما تخطّط هي وممصّاتها أن تفعله. إنّ الأخطبوطات باعتبارها من رأسيات الأرجل تُعَدّ نشيطةً للغاية، ويُعتقَد أنّ القلوب الثلاثة ضروريةٌ للحفاظ على طاقتها. ولكنّ الأخطبوط لا يستخدم قلبه الجهازي عند السباحة، ويمكن أن يتعب بسهولةٍ تامّة. فبدل ذلك يولّد نفّاثاتٍ مائيةً بواسطة غلاف جسمه ليوفّر القوّة للدفع. لون دم الأخطبوط أزرق بسبب احتوائه على الهيموسيانين الذي يُعَدّ النحاس أساس بنائه والذي يحمل الأكسجين. ولكنّ الهيموسيانين لا يحمل الأكسجين بالجودة التي لدى الهيموجلوبين الموجود عند الإنسان والذي يُعَدّ الحديد أساس بنائه، وحسب شرح مجلة نيوساينتست New Scientist فإنّ هذا الأمر قد يكون هو السبب وراء حاجة الأخطبوطات إلى أكثر من قلبٍ واحدٍ. لسوء الحظ، الهيموسيانين لا يحمل الأكسجين بشكلٍ جيّدٍ في الظروف الحمضية. وبما أنّ تغيّر المناخ يؤدّي تدريجياً إلى خفض الباهاء في محيطات العالم، لذا قد تصبح بيئة هذه المحيطات في المستقبل غير مناسبةٍ للبنية التشريحية للأخطبوط.

entry-icon
entry-icon
entry-icon
entry-icon

الأخطبوط لديه تسعة أدمغة

الصورة عبر unsplash

هناك سببٌ آخر لوجود تلك المجموعة الرائعة من القلوب يرجع إلى سمةٍ غريبةٍ أخرى في البنية التشريحية للأخطبوط: وهي أنّ لديه دماغاً صغيراً في كلٍّ من المجسّات الثمانية، الأمر الذي يساعد كلَّ ذراعٍ على التصرّف بشكلٍ مستقلٍّ بمنعكساتٍ سريعةٍ ودقيقةٍ. يشرف الدماغ التاسع على الجهاز العصبي بأكمله، ويمكنه أيضاً تخطّي الدماغ الصغير إلى حدٍّ ما لتشغيل أيّ مجسٍّ من المجسّات. إنّ نسبة الدماغ-إلى-الجسم لدى الأخطبوط هي النسبة الأكبر بين جميع أنواع اللافقاريات، ولديه نفس عدد الخلايا العصبية تقريباً الموجود لدى الكلب. ومن المعروف أنّ الأخطبوطات ذكيّةٌ للغاية، وأنها قادرةٌ على تعلّم حلّ الألغاز خلال عمليات المحاكاة المخبرية، كما أنها قادرةٌ أيضاً على التعرّف على الأشخاص. إنّ امتلاك مثل هذا الجهاز العصبي القوي وواسع النطاق يتطلّب الكثير من الطاقة، ومن هنا تأتي الحاجة إلى القلوب الثلاثة كي تقوم بضخّ الدم إلى أرجاء جسم الأخطبوط.

أذرع الأخطبوط لها عقول خاصّة بها.

الصورة عبر Ann Antonova/Pexels

يقع ثلثا الخلايا العصبية للأخطبوط في أذرعه، وليس في رأسه. ونتيجةً لذلك، يمكن أن تحلَّ الأذرع مشكلة كيفية فتح محارةٍ ما، بينما يكون أصحابها مشغولين بفعل شيءٍ آخر، مثل البحث في أرجاء كهفٍ ما عن المزيد من الأشياء الجيّدة الصالحة للأكل. يمكن أن تتفاعل الأذرع حتى بعد قطعها تماماً. في إحدى التجارب، انتفضت الأذرع المقطوعة متألمةً عندما قام الباحثون بقرصها.

تُستخدَم المجسّات، التي يغطّي كلّاً منها مجموعةٌ من المصّاصات القوية، في الحركة وفي جمع الطعام. وعلى الرغم من أنّ الأخطبوطات يمكنها السباحة، إلّا أنّ حركتها المفضّلة هي الزحف على طول قاع البحر. يمكن للأخطبوطات أيضاً استخدام مجسّاتها للتحكّم بالأشياء وفتح الجرار وحمل الطعام. لقد كانت البنية التشريحية للأخطبوط مصدر إلهامٍ لتطوير الروبوتات؛ فباستخدام المحاكاة الحيوية، طوّر الباحثون في جامعة هارفارد روبوتاً مجسّياً طرّياً يمكنه الإمساك بدقّةٍ بالأشياء غير منتظمة الشكل. بل كانت هناك محاولاتٌ لتطوير روبوتاتٍ للتسلّق بناءً على قدرتها على الإمساك بالأسطح مثل درجات السلالم والجدران الخشنة.

الأخطبوطات لديها دماء زرقاء

الصورة عبر unsplash

لدى الأخطبوطات دمٌ أزرق اللون. وهذا ليس عائداً إلى جيناتٍ ملكيةٍ، ولكنّ سببه هو النحاس. فعلى عكس الكثير من اللافقاريات البحرية الأخرى، تتمتّع الأخطبوطات بمعدّل استقلابٍ مرتفعٍ، وبالتالي تحتاج إلى الأكسجين بشكلٍ كبيرٍ. يُعتبَر الهيموسيانين الذي يُعَدّ النحاس أساس بنائه أكثر كفاءةً في نقل الأكسجين عند درجات حرارةٍ منخفضةٍ وتركيزاتٍ منخفضةٍ للأكسجين من الهيموجلوبين الذي يُعَدّ الحديد أساس بنائه والذي يجعل دمنا أحمر اللون.

الأخطبوطات ذكية

الصورة عبر unsplash

تتميّز الأخطبوطات بين رأسيات الأرجل -وبين جميع اللافقاريات- بأدمغتها الكبيرة. ويمكن للأخطبوطات التنّقل في المتاهات وحلّ المشكلات والتذكّر والتنبؤ واستخدام الأدوات وتفكيك أيّ شيءٍ تقريباً بدءاً من السلطعون وحتى القفل، وكلّ ذلك عدا عن سلوكيات الصيد المتطوّرة. يقوم أصحاب المَرْبى المائي شيد Aquarium Shedd بتوفير أنشطةٍ محفّزةٍ لأخطبوط المحيط الهادئ العملاق المقيم هناك (وتمكينه من المشاركة في أعمال الرعاية المُخصَّصة لحفظ سلامته) من خلال جلسات تدريبٍ منتظمةٍ تطبّق نفس تقنيات التعزيز الإيجابي المُستخدَمة مع الثدييات البحرية. كذلك يقومون بإغناء حياة الأخطبوط، وهذا يتضمّن تزويده بمجموعةٍ متنوعةٍ من الدُمى والهدايا المفضّلة، حيث يتمّ تقديم الأخيرة أحياناً على شكل "ألغازٍ من الفرائس" موجودةٍ في مرطباناتٍ ملولبة الأغطية.

كم تدوم فترة حياة الأخطبوط؟

الصورة عبر unsplash

مع هذا التفرّد في البنية التشريحية للأخطبوط، قد تتوقّع أن تعيش رأسيات الأرجل هذه إلى الأبد. للأسف، لا. يبلغ العمر الافتراضي المعتاد لمعظم أنواع الأخطبوطات حوالي سنة إلى سنتين في ظروف الحياة البرّية، وذلك وفقاً لما ذكرته مجلة ناشيونال جيوغرافيك. ويشير مجلس الحفاظ على الطبيعة في كندا إلى أنّ أكبر الأنواع، وهو الأخطبوط العملاق الشمالي في المحيط الهادئ، هو أيضاً الأطول عمراً. يصل طول هذا الأخطبوط إلى حوالي خمسة أمتار ويتراوح وزنه بين 20 و50 كيلوغراماً (حوالي 16.5 قدماً وبين 44 و110 رطل)، ويموت بعمر خمس سنوات تقريباً، ويحدث ذلك عادةً بعد التزاوج أو بعد وضع البيوض والعناية بها. نشرت مجلة ساينتفيك أمريكان مقالاً عن فقدان الأخطبوط باندورا Pandora المقيمة في حديقة الحيوانات الوطنية، والتي كانت تُمتِع الزوار في حوضها لمدة 27 شهراً، وهو رقمٌ قياسيٌ بالنسبة لأخطبوطٍ.

المزيد من المقالات