تربية الأبناء أمر أكبر من الإطعام والإشراف؛ إنها عملية رواية حكايات وصناعة معاني. الأب والأم هما كاتبا السيرة العائلية، والحكايات التي يطلقانها - موروثة كانت أو ملفقة - تُرسّخ في ذهن الطفل من هو وأين يقف في الوجود. يترتب على ذلك شعوره بأنه ينتمي إلى سلسلة بشرية لا تنقطع، فيستند إلى جذور حقيقية وهو يشكّل شخصه.
الوالدان يحكيان عن الأجداد، عن مواقف عاشاها، وعن رموز دينية وقومية؛ بهذه الحكايات يُعلّمان الطفل القيم والمبادئ. يفهم الصغير منها معنى الجهد، التواضع، الاعتزاز بنفسه، وانتمائه لجماعة أكبر منه. يصبح الأب والأم النافذة التي تدخل منها الحكايات الجماعية إلى البيت، فتربط الطفل بتاريخه ومجتمعه.
قراءة مقترحة
لا تتوقف المهمة عند حدود الحكايات الموروثة؛ على الوالدين أن يبتكرا حكايات جديدة تتحول لاحقًا إلى أساطير خاصة بالطفل. قراءة قصة مسائية أو تقليد عائلي بسيط يُنتج ذكرى لا تمحى. في مثل هذه اللحظات يتحول الأب والأم إلى أبطال في ذاكرة الصغير: مرشدين، قدوة، أو حتى شخصيات أخطأت فتعلم، فيترك فعلهم أثرًا طويلًا في قيمه وفهمه للحياة.
حين يروي أحد الوالدين قصة نجاح بعد تعب أو خطأ تلخص درسًا، يضع أمام الطفل خريطة أخلاقية جاهزة. كل حكاية تمنحه عدسة يقرأ بها نفسه والناس، وتُعلمه أن العقبات مجرد فصول، لا خاتمة السيرة.
الحكايات العائلية - الماضية منها والمعاشة - ترسم هوية الأولاد، وتُورَث كتراث إنساني يتجاوز الزمن. بذلك تبقى كل حكاية تُروى قطرة في نهر أسطوري يصوغ الغد كما يحفظ الأمس.
