كان نور الدين زنكي، الملقب بالملك العادل، وابن عماد الدين زنكي وأخو سيف الدين غازي، أحد أبرز القواد المسلمين في الشام في مواجهة الصليبيين. بعد وفاة أبيه، كان نور الدين زنكي وحيدًا ضد جحافل أوروبا ممثلةً في الحملة الصليبية الثانية، مستكملًا مسيرة الكفاح عن والده، فكان معروفًا بالجهاد والإخلاص وعاطفته وإيمانه، كما أنه كان ميالًا إلى جمع وتوحيد كلمة المسلمين وإخراج الأعداء من ديار المسلمين، وهو ما جذب الناس إليه، وحبب القلوب فيه. فهيا بنا نتعرف عليه أكثر!
عرض النقاط الرئيسية
ولد نور الدين زنكي في 17 من شوال 511هـ (11 من فبراير 1118م) وهو ثاني أولاد عماد الدين زنكي بعد سيف الدين غازي، وينتسب إلى قبيلة "ساب يو" التركية. تأثر أبناء عماد الدين زنكي بخلاله وفضائله بسبب ملازمتهم له في حروبه، فكانوا مفطورين على حب الجهاد حتى أصبحوا من رجال الجهاد وفرسانه، وكان عماد الدين يقدمه على إخوانه حيث أنه كان يرى فيه النجابة.
قراءة مقترحة
لزم نور الدين والده حتى مقتله في عام 541هـ/1047م. من هنا، تم الاتفاق على أن يتولى نور الدين سياسة بلاد الشام وأن يجعل حلب عاصمة لملكه، في حين يتولى سيف الدين غازي حكم الموصل، وكان الحد الفاصل بين أملاكهما هو نهر الخابور، فكان قرب إمارته في حلب من الصليبيين جعله أكثر الناس إحساسا بالخطر الصليبي وأكثرهم تحركا نحو إتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاربتهم.
قام نور الدين زنكي بهجمات ضد الحملة الصليبية الثانية، حيث قام بهجمات على إمارة إنطاكية الصليبية، واستولى على أرتاح وكفر لاثا وبصرفوت، بالإضافة إلى استيلائه على عدة قلاع في شمال الشام.
وصلت الحملة الصليبية الثانية إلى الشام بزعامة لويس السابع وكونراد الثالث في عام (542هـ/1147م)، لكنها فشلت في الاستيلاء عليها وتعرضت لخسائر كادحة، كما أنها عجزت عن احتلال دمشق، مما أدى إلى ضعف الصليبيين وفقد هيبتهم وأدى أيضا إلى زيادة نفوذ نور الدين زنكي ضد الحملة الصليبية الثانية في الشام.
فتح عماد الدين زنكي الرها و حاول الصليبيون استعادتها بعد وفاته، ولكن نور الدين زنكي لم يكن قوةً يستهان بها، فقام بالقضاء على محاولة “جوسلين الثاني” لاستعادة الرها، وكانت هزيمة الصليبيين في الرها أشد من هزيمتهم الأولى، كما عاقب نور الدين من خان المسلمين وتحالف ضدهم مع الغزاة.
كان للحرب بين الصليبيين ونور الدين زنكي أثر كبير في الشرق والغرب، من ضمنها:
1) تغير الوجود الصليبي في الشرق:
على الرغم من ارتباط الحركة الصليبية بحلف دفاعي استراتيجي مع الغرب الأوروبي، إلا أن محاولات الصليبيين في الاستيلاء على الشرق باءت بالفشل الذريع. فكل الدعم المادي والمعنوي القادم من أوروبا من أجل القيام والازدهار، وحمايتها لها وسط المحيط الإسلامي المعادي لم ينفع الصليبيون بشيء أمام قوة وعزيمة نور الدين زنكي وجيش المسلمين.
2) عجز الكيان الصليبي وفقدانه لهيبته:
أتت ضربات قاضية متتالية واحدة تلو الأخرى على يد نور الدين زنكي ضد الحملة الصليبية الثانية والصليبيين حتى تذبذب حكمهم في الشرق. فحقق المسلمون إنجازا تلو الآخر حتى طرد الصليبيون نهائياً من المنطقة، وتقهقرت القوة الصليبية في الساحل الشامي، وخصوصاً في أواخر القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي. علاوة على ذلك، كان فشل الحملة الصليبية الثانية نقطة تحول في تاريخ الصراع الإسلامي الصليبي آنذاك، حيث أنها هزت الكيان الصليبي وأدت إلى انحطاط سمعتهم في الشام.
3) بروز دور نور الدين زنكي ضد الحملة الصليبية الثانية:
إن هذه الحروب رفعت من مكانة نور الدين زنكي في حلب ودمشق، وأيضا وطدت العلاقات بينه وبين حكام دمشق والمسلمين. فكان معروفا بقوته وحكمته مما أدى إلى استعانة حكام دمشق به لمقاومة الحركة الصليبية، ومن ثم أتاحت له الفرصة لكي يضم دمشق إلى جبهته الإسلامية. كما أن تحركاته كانت نقطة تحول في تاريخ الصراع الإسلامي الصليبي حينذاك، حيث أتاحت لصلاح الدين الأيوبي تحقيق هدف نور الدين زنكي، والذي كان تحرير بيت المقدس والمسجد الأقصى، وطرد الصليبيين منه.