قرودٌ تركب الغزلان في اليابان

سلّطت التقارير والصور المنتشرة - مثل فيديو عام 2015 من ياكوشيما وصورة "روديو الغابة" عام 2023 - الضوء على تفاعل قرود المكاك اليابانية (Macaca fuscata) مع غزال السيكا (Cervus nippon): ركوباً، وتنظيفاً، وحتى محاولة التزاوج. وبينما قد تبدو هذه السلوكيات غريبة، إلا أنها تعكس تفاعلات بيئية معقدة، وتعلماً اجتماعياً، وتطوراً ثقافياً بين الحيوانات البرية في اليابان.

1. تاريخ اليابان وجغرافيته.

اليابان أرخبيلٌ يضم 14125 جزيرة، تغطي حوالي 378000 كيلومتراً مربعاً، وتمتد على مسافة 3000كيلومتر من بحر أوخوتسك إلى بحر الصين الشرقي. تُشكل أربع جزر رئيسية - هوكايدو، هونشو، شيكوكو، كيوشو - جوهر اليابان؛ بالإضافة إلى العديد من الجزر الأصغر، فقط حوالي 430 جزيرة مأهولة بالسكان.

الصورة على asiaodysseytravel

خريطة اليابان والمُدن الرئيسية

تغطي الجبال حوالي 70% من أراضيها، وأعلى قمة فيها هي جبل فوجي، بارتفاع 3776 مترًا (دليل تبادل الدول في إسبانيا). تُهيمن الغابات على مساحة الأرض، حيث تغطي ما يقرب من 66- 68% من مساحتها، بينما تُشكل الأراضي الزراعية حوالي 14%، والمناطق المبنية حوالي 5%. شكّلت السهول الساحلية ووديان الأنهار - مثل كانتو وكانساي وتشوبو - الأساس التاريخي لزراعة الأرز والتجارة والتنمية الحضرية الكثيفة.

الصورة على wikipedia

جبل فوجي وقطار شينكانسن

2. السكان، والأراضي الصالحة للسكن في اليابان وتوزيعها.

يبلغ عدد سكان اليابان حوالي 126 مليون نسمة، وتحتل المرتبة الحادية عشرة عالمياً، بكثافة سكانية تتجاوز 300نسمة/كم². ومع ذلك، فإن ما بين 30% و33% فقط من الأراضي تُصنف على أنها صالحة للسكن أو الزراعة؛ أما الباقي فهو شديد الانحدار أو مغطى بالغابات. وهذا يؤدي إلى تركيز حضري شديد: يعيش حوالي 90% في المناطق الحضرية، وخاصة على طول السهول الساحلية. تستضيف منطقة طوكيو-يوكوهاما الحضرية وحدها حوالي 35 مليون نسمة، مما يجعلها أكبر تجمع حضري في العالم. كما تشير مناقشات ريديت (Reddit) إلى أن جزءاً ضئيلاً فقط من الأراضي يدعم المدن عالية الكثافة.

3. اقتصاد اليابان.

مع ناتج محلي إجمالي يبلغ حوالي 6.9تريليون ين (4.2تريليون دولار أمريكي)، تحتل اليابان مكانة ثالث أكبر اقتصاد عالمي. يتكون هيكلها الاقتصادي الحديث من:

• الخدمات: حوالي 70%،

• الصناعة: 20% تقريباً،

• الزراعة والغابات وصيد الأسماك: 1-2% تقريباً، مع أن الغابات لا تزال تغطي 66% من استخدام الأراضي، حيث تنتج حوالي 20 مليون متر مكعب من الخشب، وتساهم بمبلغ 436 مليار ين ياباني في عام 2015.

على الرغم من تراجع الأراضي الزراعية، تواصل اليابان استيراد كميات كبيرة من الغذاء، فعلى سبيل المثال، أكثر من 90% من القمح وفول الصويا مصدرها خارجي.

4. السياحة والتراث الثقافي في اليابان.

في عام 2024، زار اليابان حوالي 36.9 مليون سائح دولي، وأنفقوا أكثر من 8.1 تريليون ين ياباني (حوالي 56 مليار دولار أمريكي)، بينما بلغ إجمالي عدد الرحلات السياحية المحلية حوالي 540 مليون رحلة، وأنفقوا 26تريليون ين ياباني (حوالي 181 مليار دولار أمريكي).

منتزه مينو كواسي الوطني (أوساكا): موقع تفاعلات الغزلان مع قرود المكاك منذ عام ٢٠١٤ على الأقل.

هذه المناطق مُجهزة بمسارات ومنصات مراقبة ومعلومات للزوار، مما يعكس نهج اليابان المتوازن في سياحة الحياة البرية والحفاظ عليها.

5. أنواع الحياة البرية في اليابان.

تتميز اليابان بتنوع حيواني في مختلف مناطق الحياة البرية:

الثدييات: قرود المكاك اليابانية، غزال السيكا، السيرو الياباني، الخنزير البري، الثعالب، الدببة البنية/السوداء.

الطيور: الكركي، النسور، مالك الحزين.

النباتات: أكثر من 6000 نوع من النباتات في غابات جبال الألب والأراضي المنخفضة.

الحياة البحرية: تنوع بيولوجي غني في جميع أنحاء المنطقة الاقتصادية الخالصة الشاسعة، وهي ثامن أكبر منطقة في العالم على ويكيبيديا.

قُدرت قيمة سياحة الحياة البرية بـ 18.2 مليار دولار أمريكي في عام 2023، ومن المتوقع أن تصل إلى 32 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030.

6. سياسات حماية الحياة البرية في اليابان.

تُخصص اليابان "معالم طبيعية" ثقافية لحماية الحياة البرية/مواطنها، مثل غزلان حديقة نارا. يهدف تنظيم الغابات إلى استعادة التنوع البيولوجي من خلال تقليل الأشجار الصنوبرية المُزروعة بشكل مفرط - والتي كانت مدفوعة سابقاً بطلب البناء بعد الحرب العالمية الثانية. تُنظِّم قوانين الصيد عمليات قتل الدببة في حالات الطوارئ بسبب تزايد الصراعات بين البشر والحياة البرية. وتُطبَّق جهود مثل السياج الكهربائي وتدابير التعايش، خاصةً مع قرود المكاك في ياكوشيما.

7. القرود في اليابان.

النوع: قرد المكاك الياباني (Macaca fuscata)، ينتشر في هونشو وشيكوكو وكيوشو؛ أما النوع الفرعي ياكوشيما (M. f. yakui) فهو متوطن.

الصورة على wikipedia

قرد المكاك الياباني

التعداد: إجمالي حوالي 114000 قرد مكاك بري (تقدير)، مع وجود ما بين 9500 و19000 قرد مكاك بري في ياكوشيما.

السلوك: نظام غذائي قارت، بحثٌ مُتطور عن الطعام، تعلمٌ اجتماعي (القيام بسلوكيات مثل الاستحمام في الثلج، غسل الطعام، والينابيع الساخنة).

• الصراع البشري: الإعدام السنوي (حوالي 20,000)، استخدام السياج الكهربائي لمنع تلف المحاصيل (lifer-science.org).

8. الغزلان في اليابان.

النوع: غزال سيكا (Cervus nippon)، موجود في هونشو، شيكوكو، كيوشو، وياكوشيما؛ وغائب عن هوكايدو.

الصورة على jrpass

الغزال الياباني.

الصورة على wikipedia

الغزال الياباني

9. التعايش بين القرود والغزلان في اليابان.

هناك علاقة تكافلية: تتغذى الغزلان على بقايا الفاكهة وبراز قرود المكاك؛ وتنظف قرود المكاك الغزلان، وتزيل الطفيليات. كما يعزز هذا التسامح بين الأنواع التفاعل الاجتماعي، مثل الركوب.

وثّقت الملاحظات في ياكوشيما (21 تشرين الأول 2015) أن إناث قرود المكاك تركب على غزالات إناث، بل إنها دفعت الغزال إلى الركض في "روديو" مرح، أحياناً بمشاركة متبادلة.

10. تحليل: "قرود تركب غزالاً" في اليابان.

ظهرت ثلاثة سلوكيات مميزة:

أ. الركوب المرح: تقفز قرود المكاك على ظهور الغزلان وتركب لفترة وجيزة - وهو سلوك تم رصده في صورة "روديو الغابة" لعام 2023.

ب. رحلات العناية الشخصية: تتسلق قرود المكاك للتخلص من الطفيليات - تبادلٌ يُحتمل أن يُعزز التحمّل.

ت. التزاوج الجنسي: سُجِّل في ياكوشيما (2015، 2017) ومينو (2014 فصاعداً). تُوثِّق الدراسات التزاوج المتكرر مع نداءات التزاوج، والالحاح، وامتثال الغزلان - والذي يُفسَّر على أنه سلوك جنسي مُغاير النوع ناشئ بين الإناث الصغيرات/المراهقات.

في مينو، تتبَّعت الأبحاث الكمية 258 عملية تزاوج عبر 45 تفاعلاً، مع تحديد 14 حالة تزاوج.

11. الانتقال الثقافي و"الثقافة المشتركة" بين قرود المكاك والغزلان.

يشير تكرار هذه السلوكيات - التي تبدو أحياناً محددة بالموقع - إلى أن قرود المكاك قد تتعلم اجتماعياً ركوب الغزلان، مما يُشكِّل ما يصفه الباحثون بأنه "ثقافة مشتركة" بين الأنواع. تشمل الأدلة ما يلي:

• ظهور ذكر المكاك نفسه في ياكوشيما من عام 2015 إلى عام 2023.

• ظهورات مستقلة في ياكوشيما ومينو، على بُعد 370 ميلاً - من المرجح أن يكون ذلك تطوراً متميزاً ولكن من طبيعة تقدم متشابه.

يقترح العلماء أن هذا السلوك قد يمثل تقليداً سلوكياً جديداً، يعكس المرونة والابتكار في الثقافة الاجتماعية للمكاك.

12. التوقعات المستقبلية.

البيئة: كلا النوعين، القرود والغزلان، لديهما أعداد مستقرة أو متنامية؛ ومع ذلك، لا تزال الصراعات بسبب غارات المحاصيل والرعي الجائر قائمة.

الإمكانات السياحية: قد تجذب السلوكيات الفريدة بين الأنواع الاهتمام، ولكن هناك حاجة إلى إدارة دقيقة لتجنب التعود على البشر.

اتجاهات البحث: إجراء المزيد من الدراسات الإثنوغرافية الرئيسية التي تدرس انتقال السلوك، والآثار البيئية، والتكيُّف المشترك بين الأنواع.

الآثار على الحفظ: تُبرز هذه التفاعلات الديناميكية الحاجة إلى حماية المواطن الطبيعية ودعم إدارة الأراضي الصديقة للتنوع البيولوجي. (على سبيل المثال، إعادة تأهيل الغابات، وبرامج إعدام الغزلان المتوازنة).

الخاتمة.

تُجسّد عبارة "القرود تركب الغزلان في اليابان" مجموعةً رائعةً من السلوكيات، بدءاً من الركوب المرح، وصولاً إلى التزيّن والتفاعلات الجنسية بين الأنواع. هذه السلوكيات، المتجذّرة في المناظر الطبيعية الجبلية الكثيفة في اليابان، والتي تشكّلت بفعل القرب البيئي والقدرة الثقافية لقرود المكاك، تُشكّل تحدياً لفهم التعلم الاجتماعي بين الأنواع. وبينما تستمر التفاعلات بين الإنسان والحياة البرية في تشكيل النظم البيئية في اليابان، تُبرز هذه الظاهرة مرونة الطبيعة وقدرتها على التكيُّف وتعقيدها، وتُذكّر بدور الإنسان في إدارة هذه التفاعلات بعناية.

أكثر المقالات

toTop